(المبحث الثاني) :
يقال : سرب الماء يسرب سروبا إذا جرى فهو سارب ، وأما قوس قزح والهالات والشموس الكاذبة فهو ما يتراءى للعين كسراب ، وأما القيعة فقال الفراء : هي جمع قاع مثل جار وجيرة والقاع ، المنبسط المستوي من الأرض ، وقال صاحب الكشاف القيعة بمعنى القاع وقال الزجاج الظمآن قد يخفف همزه وهو الشديد العطش ، ثم وجه التشبيه أن الذي يأتي به الكافر إن كان من أفعال البر فهو لا يستحق عليه ثوابا مع أنه يعتقد أن له ثوابا عليه وإن كان من أفعال الإثم فهو يستحق عليه عقابا مع أنه يعتقد أنه يستحق عليه ثوابا فكيف كان فهو يعتقد أن له ثوابا عند الله تعالى فإذا وافى عرصات القيامة ، ولم يجد الثواب ، بل وجد العقاب العظيم عظمت حسرته وتكاثر غمه فيشبه حاله حال الظمآن الذي تشتد حاجته إلى الماء فإذا جاءه شاهد السراب تعلق قلبه به فيرجو به النجاة ويقوى طمه ، فإذا جاءه وآيس مما كان يرجوه عظم ذلك عليه ، وهذا المثال في غاية الحسن قال مجاهد : السراب عمل الكافر وإتيانه إياه موته ومفارقة الدنيا ، فإن قيل قوله : (حَتَّى إِذا جاءَهُ) [النّور : الآية ٣٩]. يدل على كونه شيئا. وقوله : (لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) [النّور : الآية ٣٩]. مناقض له.
(قلنا) : الجواب عنه من وجوه ثلاثة :
(الأول) : المراد من معناه أنه لم يجده شيئا نافعا كما يقال فلان ما عمل شيئا ، وإن كان اجتهد.
(الثاني) : حتى إذا جاءه أي موضع السراب لم يجد السراب شيئا فاكتفى بذكر السراب عن ذكر موضعه.
(الثالث) : الكناية للسراب لأن السراب يرى من بعيد بسبب الكثافة وخلو الطبقة التي تلامس سطح القيعة فإذا قرب منه رق وانتشرت الطبقة الكثيفة ، وأما قوله : (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ) [النّور : الآية ٣٩]. أنه وجد عقاب الله الذي توعد به الكافر عند ذلك فتغير ما كان فيه من ظن النفع العميم إلى تيقن الضرر العظيم ، أو وجد زبانية الله عنده يأخذونه فيقبلون به إلى جهنم فيسقونه الحميم.
(المبحث الثالث في الهالات):
الهالات هي الدوائر اللامعة المتلونة في الغالب بالألوان المختلفة التي تكون حول كل من النيرين ، وهو في مركزها ، والمسافة التي بينهما تسمى بفناء الهالة تشبيها لها بفناء الدار ، وهو الفضاء الذي حولها ، ولون هذا الفناء إما رمادي أو أكثر زرقة من لون السماء على حسب