١٨٣ ـ حنّت نوار ولات هنّا حنّت |
|
وبدا الّذي كانت نوار أجنّت (١) |
فقالوا : إنّ هنّا اسم لات ، وحنّت خبرها على حذف مضاف ، والتقدير وليس ذلك الوقت وقت حنين. قال ابن مالك : وهو ضعيف ، لأنّ فيه إخراج هنا عن الظرفيّة ، وهو من الظروف الّتي لا تتصرّف ، وفيه أيضا إعمال لات في معرفة ظاهرة ، وإنّما تعمل في نكرة ، انتهى.
والأصحّ أنّها لم تعمل شيئا ، بل هي مهملة ، لا اسم لها ، ولا خبر ، وهنا في موضع نصب على الظرفيه ، لأنّه إشارة إلى مكان ، وحنّت مع أنّ مقدّرة قبلها في موضع رفع بالابتداء ، والخبر هنا والتقدير حنّت نوار ، ولا هنا لك حنين كذا قال الفارسيّ ، وشذّ مجيء غير الظرف بعدها مرفوعا كقوله [من الكامل] :
١٨٤ ـ لهفي عليك للهفة من خائف |
|
يبغي جوارك حيث لات مجير (٢) |
وارتفاع مجير على الابتداء أو على الفاعلية ، والتقدير حين لات له مجيرأ ، ويحصل له مجير ، ولات مهملة ، وزعم الفرّاء أنّ لات تستعمل حرفا جارّا لأسماء الزمان خاصّة ، كما أنّ مذ ومنذ كذلك وأنشد [من الخفيف] :
١٨٥ ـ طلبوا صلحنا ولات أوان |
|
فأجبنا أن ليس حين بقاء (٣) |
وأجيب بأنّ الأصل ليس الأوان أوان صلح ، فحذف اسمها ، وما أضيف إليه خبرها مقدّر الثبوت ، فيبني كما فعل بقبل وبعد ، إلا أنّ الأوان لشبهه بترال وزنا بني على الكسر ، ونوّن اضطرارا.
ووجب حذف أحد جزئيها من الاسم والخبر ، وكثر حذف اسمها وبقاء الخبر لكونه محطّ الفائدة ، نحو قوله تعالى : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) [ص / ٣] ، في القراءة المشهورة بنصب حين على أنّه خبرها ، واسمها محذوف ، أي ليس الحين حين مناص ، وقريء في الشواذ (٤) برفع الحين ، على أنّه اسمها ، وخبرها محذوف ، أي ليس حين فرار حينا لهم. قال بعضهم : وكان القياس أن يكون هذا هو الغالب ، بل كان ينبغي أن حذف المرفوع لا يجوز ألبتّة ، لأنّ مرفوعها محمول على مرفوع ليس ومرفوع ليس لا يحذف ، وهذا فرع تصرّفوا فيه ما لم يتصرّفوا في أصله.
__________________
(١) هو لشبيببن جعيل الثّعلبي. كان بنو قتيه بن معين أسروه في حرب فأنشد ذلك يخاطب أمّه نوار بنت عمرو بن كلثوم. اللغة : حنت : من الحنين ، وهو الشوق ، أجنّت : سترت.
(٢) البيت لشمردل بن شريك الليثي في الرثاء. اللغة : يبغي : يطلب ، المجير : اسم فاعل من أجار بمعنى أنقذ وحمي.
(٣) هو لأبيه زبيد الطائي «حرملة بن المنذر». اللغة : الأوان : الوقت ، الحين.
(٤) «وقري في الشواذ» سقط في «س».