على أنّها تعفو الكلوم وإنّما |
|
توكّل بالأدنى وإن جلّ ما يمضي (١) |
أي على أنّ العادة نسيان المصائب البعيده العهد ، وقوله [من الطويل] :
٣٣٥ ـ بكلّ تداوينا فلم يشف ما بنا |
|
على أنّ قرب الدار خير من البعد (٢) |
ثمّ قال :
٣٣٦ ـ على أنّ قرب الدّار ليس بنافع |
|
إذا كان من تهواه ليس بذي ودّ |
أبطل بعلى الأولى عموم قوله : لم يشف ما بنا ، فقال : بلي إن فيه شفاء ما ، ثمّ أبطل بالثانية قوله : على أنّ قرب الدار خير من البعد.
وتعلّق على هذه بما قبلها كتعلّق حاشا بما قبلها عند من قال به ، إلا أنّها أوصلت معناه إلى ما بعدها على وجه الإضراب والإخراج ، أو هي خبر لمبتدإ محذوف ، أي والتحقيق على كذا ، وهذا الوجه اختاره ابن الحاجب قال : ودلّ ذلك على أنّ الجملة الأولى وقعت على غير التحقيق ، ثمّ جئ بما هو التحقيق فيها ، قاله ابن هشام.
التاسع : أن تكون زائدة للتعويض ، أو غيره. فالأوّل كقوله [من الرجز] :
٣٣٧ ـ إنّ الكريم وأبيك يعتمل |
|
إن لم يجد يوما على من يتّكل (٣) |
أي من يتّكل عليه ، فحذف عليه ، وزاد على قبل الموصول تعويضا له ، قاله ابن جنيّ ، وقيل : المراد إن لم يجد يوما شيئا ، ثمّ ابتدأ مستفهما فقال : على من يتّكل ، والثاني كقوله [من الطويل] :
٣٣٨ ـ أبي الله إلا أنّ سرحة مالك |
|
على كلّ أفنان العضاة تروق (٤) |
قاله ابن مالك. قال ابن هشام : وفيه نظر ، لأنّ راقه الشيء بمعنى أعجبه ، ولا معنى له هنا ، وإنّما المراد تعلو وترفع ، انتهى. وفي القاموس ، الروق : مصدر راق عليه ، أي زاد عليه فضلا ، فلا حاجة حينئذ إلى تضمين.
وفي ولها عشرة معان :
أحدها : الظرفية حقيقة مكانية أو زمانية ، وقد اجتمعتا في قوله تعالى : (الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ) [الروم / ١ ـ ٤] ، أو مجازا إمّا أن يكون الظرف والمظروف معنيين ، نحو : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ)
__________________
(١) هما لأبي خراش الهذليّ واسمه خويلد بن مرّة. اللغة : رزئته : أصبت به ، قوسي. موضع ببلاد السراة ، الكلوم : جمع كلم بمعنى الجرح ، نوكل : نحرّق ، جلّ : عظم وكثر.
(٢) هو لعبد الله بن الدمينة. وقوله «بكل» أي بالقرب والبعد.
(٣) الرجز مجهول القائل. اللغة : يعتمل : يعمل بنفسه.
(٤) البيت لحميد بن ثور ، وهو شاعر مخضرم ، أسلم ومات في خلافة عثمان. اللغة : السرحة : الشجرة العظيمة ، وهي في البيت كناية عن امرأة ، والعضاة : شجر له شوك.