ولك حينئذ ضمّها تشبيها بهاء الضمير ، وكسرها على أصل التقاء الساكنين ، وأجاز الفرّاء إثباتها في الوصل بالوجهين ، وإنّما لا يحذف حرف النداء مع المندوب ، لأنّه منادي مجازا ، ولا يقصد فيه حقيقة التنبيه والإقبال كما في النداء المحض ، فلمّا نقل عن النداء إلى معنى آخر مع بقاء معنى النداء فيه مجازا ألزم لفظ علم النداء تنبيها على الحقيقة المنقول هو منها ، ومثله المتعجّب منه. «و» إلا «مع المستغاث» ، وكلّ اسم نودي ليخلص من شدّة أو يعين على مشقّة لا يستعمل معه إلا يا خاصّة ، وسيأتي بيان أحكامه مستوفيا.
وإنّما لا تحذف معه حرف النداء للمبالغة في تنبيه بإظهار حرف التنبيه ، لكون المستغات له أمرا مهمّا. «و» إلا «مع اسم الاشارة» ، لأنّه موضوع في الأصل لما يشار إليه للمخاطب ، وبين كون الاسم المشار إليه وبين كونه منادي ، أي مخاطبا تنافر ظاهر ، فلمّا أخرج في النداء عن ذلك الأصل ، وجعل مخاطبا ، احتيج إلى علامة ظاهرة ، تدلّ على تغييره وجعله مخاطبا ، وهي حرف النداء (١). هذا مذهب البصريّين ، وأجاز الكوفيّون حذفه اعتبارا بكون اسم الإشارة معرفة قبل النداء واستشهاد بقوله تعالى : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ) [البقرة / ٨٥] أي يا هؤلاء ، وبقول ذي الرمة [من الطويل] :
٤٢١ ـ إذا هملت عيني لها قال صاحبي |
|
بمثلك هذا لوعة وغرام (٢) |
وردّه البصريّين بأنّ هؤلاء في الأيه خبر المبتدأء ، والشعر ضرورة. ولحّن بعضهم المبتنيّ في قوله [من الكامل] :
٤٢٢ ـ هذي برزت لنا فهجت رسيسا |
|
... (٣) |
وأجيب بأنّ هذي مفعول مطلق لا منادي ، أي برزت هذي البرزة ، وردّه ابن مالك بأنّه لا يشار إلى المصدر إلا منعوتا بالمصدر المشار إليه كضربته ذلك الضرب. قال ابن هشام : ويردّه بيت أنشده هو ، وهو قوله [من الكامل] :
٤٢٣ ـ يا عمرو إنّك قد مللت صحابتي |
|
وصحابتيك إخال ذاك قليل (٤) |
«و» إلا مع «لفظ الجلالة» وهو الله «مع عدم الميم» المشدّدة في آخره عوضا عن حرف النداء ، وذلك لأنّ حقّ ما فيه اللام أن يتوصّل إلى ندائه بأيّ أو باسم الإشارة
__________________
(١) سقطت هذه الجملة في «س».
(٢) اللغة : هملت : فاضت وسالت ، الّوعة : حرقة في القلب وألم يجده الأنسان من حبّ أو همّ أو حزن ، الغرام : التعلّق بالشيء تعلّقا لا يستطاع التخلص منه.
(٣) تمامه «ثمّ انثنيت وما شفيت نسيسا». اللغة : الرسيس : ابتداء الحب ، النسيس : بقية الروح.
(٤) لم يسمّ قائله.