يجربون السيوف بالضرب بكل عرضها ثم يتأملون في مرونتها فما وجدوه فقد منه المرونة أكثر مما هو لازم طرحوه ومما له دخل في زيادة مرونة الأجسام أيضا أشكالها كما يظهر فيما لو سقطت حلقة على سطح من حجر أو رخام فإنها تنفذ أكثر مما لو كان الساقط قرصا مماثلا لها في المادة والوزن ، وكذا الكرة المجوفة فإنها تنفذ أكثر من كرة مصمتة مساوية لها في الوزن فإذا تكون الحلقة والكرة المجوفة أكثر مرونة من القرص والكرة المصمتة ، ثم إن الأجسام الكثيرة المرونة لا تعود إلى شكلها الأول بسرعة دفعة ، بل بعد ارتجاجات متعاقبة تأخذ في التناقص حتى تزول بالكلية كما يشاهد ذلك فيما لو أخذ منها يد ماسك أو جفت كبير وقرنت شعبتاه مع بعضهما ، ثم تركناه دفعة واحدة وفيما لو أثبت مقبض سيف في نحو حفرة أو بين شعبتي منجله وأميلت ذبابته قسرا ، ثم تركت فإن رجوع كل مما ذكر إلى حالته لا يحصل إلا بعد اهتزازات كثيرة ، ومثل ذلك يشاهد في الأجسام السلسة جدا كالأوتار ، وفي الجلود والسلوك المعدنية الرقيقة إذا كانت متوترة كما في آلات الطرب ذوات الأوتار وفي الطبول والكوبة المشهورة بالدربكة والرطوبة في ذلك كله تكون سببا لفقد المرونة لا سيما الجلود ولو لا ذلك لما جعل الله تعالى الأرض فراشا لنا.
(تنبيه):
اعلم أن جميع المفسرين أشاروا.
(أولا) : إلى أن كرة الأرض تدور إلى قطبين معينين ، وإذا كان كل فلك متشابة الأجزاء كان جميع النقط المفترضة عليه متساوية وجميع الدوائر المفترضة أيضا متساوية ، فاختصاص نقطتين معينتين بالقطبية دون سائر النقط مع استوائها في الطبيعة يكون أمرا جائزا فيقتضي العقل بافتقاره إلى المقتضى ، وهكذا القول في تعيين كل دائرة معينة من دوائرها بأن تكون منطقة.
(وثانيا) : أن الأجرام الفلكية مع تشابهها في الطبيعة الفلكية كل واحد منها مختص بنوع معين من الحركة في البطء والسرعة فانظر إلى فلك الشمس مع نهاية اتساعه ، وعظمه ، ثم إنه يدور على نفسه في خمس وعشرين ، ونصف وكسور والمشترى في إحدى عشرة سنة وزحل في تسع وعشرين سنة على ما قاله أهل الهيئة : فاختصاص الأعظم بمزيد السرعة والأصغر بمزيد البطء مع أنه على خلاف حكم العقل فإنه كان ينبغي أن يكون الأوسع أبطأ حركة لعظم مداره ، والأصغر أسرع استدارة لصغر مداره ليس إلا بمخصص.
والعقل يقتضي بأن كل واحد منها إنما اختص بما هو عليه بتقدير العزيز العليم.