مطر أو ليس فقيل المطر إذا هبت الريح لا يكون ، فلما قال من قبل أن ينزل عليهم ، ولم يقل : (إنهم كانوا مبلسين) لأن من قبله قد يكون راجيا غالبنا على ظنه المطر برؤية السحب وهبوب الرياح قال : (من قبله). أي من قبل ما ذكرنا من إرسال الرياح وبسط السحاب ، ثم لما فصل قال : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى) [الرّوم : الآية ٥٠].
لما ذكر الدلائل قال لمحي باللام المؤكدة وباسم الفاعل فإن الإنسان إذا قال : إن الملك يعطيك لا يفيد ما يفيد قوله إنه معطيك ؛ لأن الثاني يفيد أنه أعطاك فكان وهو معط متصفا بالعطاء ، والأول يفيد أنه سيتصف ويتبين هذا بقوله : (إِنَّكَ مَيِّتٌ) [الزّمر : الآية ٣٠]. فإنه آكد من قوله : إنك تموت ، وهو على كل شيء قدير تأكيد لما يفيد الاعتراف ، اعتبر الكون مكونا من طبقات رقيقة موضوعة فوق بعضها تتناقص كثافتها كلما بعدت عن سطح البحر حتى تتخلخل خلخلة يعسر معرفتها ، ويأخذ هذا التخلخل في الزيادة حتى يصل إلى الحمل الذي تنتهي إليه قوة الجذب أي جذب الأرض ، وكلما كانت الموازنة بينها أكمل كان الجو أسكن وأهدأ ، فإذا انقطعت الموازنة بأي سبب كأن اضطربت تلك الكتلة وتحركت ، وابتدأ الاستشعار بالريح ، وأغلب الأسباب المزيلة للموازنة هي تغير الحرارة ، ومد البحر وجزره ، والتيارات المائية القوية ، ورطوبة الهواء وفعل القمر والشمس ، ونقول : إلحاقا لرطوبة الهواء أنه إذا تكاثفت الأبخرة المائية الممسوكة في الجو ، وتكون منها الغمام حصل في كثافة الهواء تغير فجائي ، ويظهر أن هذا هو السبب الأكثر إحداثا للرياح الغير المنتظمة ، ثم إن الرياح أفقية كانت أو عمودية أو مقاطرة تتجه بجميع ضروب الاتجاه فتتقاطع مع بعضها أو تختلط أو يمر بعضها فوق بعض مع سرعة متشابهة أو متخالفة بدون أن تختلط.
وقد تدور على نفسها ، وقد لا يكون لها اتجاه معين إنما الغالب في حركات الجو أن تكون موازنة لسطح الأرض هذا وقد ذكر فيما سبق أن حركات الجو تتبع كل اتجاه من ضروب الاتجاه ، وأن مدة تلك الحركات تختلف بجميع أنواع الاختلافات كاتجاهها ؛ ولذلك تنقسم الرياح ثلاثة أنواع :
(الأول) : الرياح الدائمة أعني التي فعلها دائم واتجاهها يكاد أن لا يختلف أصلا.
(الثاني) : الرياح الدورية أي التي تبقى ستة أشهر ، وهي التي تهب من مهب واحد في السماء جملة شهور متتابعة من السنة ، ثم في الأشهر الباقية تهب من محل مقابل للأول.
(الثالث) : الرياح المختلفة التي ليس لها اتجاه مخصوص ولا مدة معينة ، بل كثيرا ما تشاهد منها جملة مجتمعة مع بعضها في آن واحد.