(الخاتمة)
(بسم الله الرحمن الرحيم)
سبحان الذي فلق الحب والنوى ، وأودع الأجسام النامية وظائف ، وقوى صور أنواع النبات من جراثيم مختلفة الهيآت ، أنشأ كل نوع منه جرثومة اهتزت وربت ، ثم تمت وانتفخت ، ثم انشقت من أعلاها عن ساق لطيفة تفرعت إلى أفنان غليظة ونحيفة وأزهار لامعة وثمار يانعة ، ومن أسفلها عن جذر ذي عروق لطيفة وألياف دقيقة خفيفة كأنها منعقدة من مياه عذبة ، ومع ذلك تغوص في الأرض الصلبة حتى أنها ربما شقت الصفاه ، فسبحان من خلق ذلك وسواه ، جعلها تمتص السوائل بمسام إسفنجية لتغذية النبات بكرة وعشية ، وجعل الأوراق أعضاء استنشاق واستحلاب وإخراج واجتناب يمتص بها النبات صالح الهواء ، ويخرج ما هو له كالداء من الأبخرة الزائدة عن غذائه الضارة إن بقيت فيه بنمائه ، ثم جعل منه الزوجين الذكر والأنثى ، وما حوى أعضاؤهما من الخنثى.
(نحمده) أن جعل لكل داء دواء ، وجعل معظم ذلك منوطا بالنبات بلا امتراء ونستوهبه أجمل الصلاة وأتم التحية على الشجرة النورانية ؛ ثمرة الفيض الرباني ، وسر الوجود الإنساني محمد المبعوث من خير أرومة ، المنتخب من أعظم جرثومة صلىاللهعليهوسلم وعلى آله نجوم الدّآدي ما أزهر الجل والجادي وقرقرت القماري في الوادي.
(أما بعد) :
فأقول : اعلم أرشدك الله أن الله تعالى أخبر في كتابه العظيم وكلامه القديم في قوله عز من قائل : (مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) [الأنعام : الآية ٩٩].
وفي قوله عزوجل : (مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) [الأنعام : الآية ١٤١]. بلفظين مختلفين وهما قوله : (مُشْتَبِهاً) و (مُتَشابِهاً.) فما الفرق بينهما؟ فالجواب قد تقدم الكلام عليهما موضحا وملخصه أن قوله : (مُشْتَبِهاً.) أراد به أن النباتات التي تكون متقاربة ومجتمعة مع بعضها بسبب مشابهة أشكالها الظاهرية وبنيتها الباطنية تكون غالبا ذات خواص طبية مشابهة لبعضها ، وأحيانا تكون هذه المشابهة تامة ؛ ولذا كانت جميع نباتات الفصيلة الخبازية ملينة وجميع نباتات الفصيلة الصلبية حريفة منبهة ، وجميع نباتات الفصيلة الجنطيانية مرة مقوية ، وجميع نباتات الفصيلة الشفوية عطرية ، وجميع نباتات الفصيلة الدفلية لبنية مهيجة فيمكن الإنسان حينئذ أن يستعمل نباتات من هذه الفصائل بدل آخر من غير ضرر.