ثامنها : أنّه أقرب في رجاء نيل النعم ، ودفع النقم ، وتوّهم أنّ الإتيان بالقليل في مقابلة ذلك اللطف الجزيل الجليل باعث على العكس ، مردود بأنّ قدر النعمة عند المُنعَم عليه بمقدار احتياجه إليه ، إلى غير ذلك.
المبحث الرابع
أنّه لمّا علم أنّ للواجب جلّ وعلا مَطالب يُريدها من العبد ؛ لصلاح يعود إلى العبد لا إليه ؛ لأنّه تعالى غنيّ بذاته عمّا عداه ، وإلا لكان مَحتاجاً ، ولم يكن هو الله ، وعلى مناهي ، يترتّب على العبد منها الفساد ، فنهى عن فعلها المكلّفين من العباد.
فقد وجب على الله إخبارهم بما أراد وما نهى عنه لترتّب الفساد.
ولمّا كانت طُرق الأخبار بأوامره ونواهيه محصورة بأُمور ، هي هذه المذكورة ، لزم اختيار المختار منها ، وتعيين ما يصدّر انتفاع المكلّفين.
فمنها : أن يخلق الله سبحانه صوتاً في بعض الأجسام ، من هواءٍ أو ماءٍ أو شجرٍ أو حجرٍ أو مدرٍ ، وذلك لا يوافق طريق الامتحان والاختبار ، ولم يعلم أنّ ذلك من الله ، بل جوّز أن يكون من الشياطين أو من بعض الجانّ أو غيرهم من الأشرار.
ومنها : أن يُرسل بعض الملائكة أو بعض الجانّ ، وذلك أيضاً لا يوافق الامتحان ؛ مضافاً إلى أنّهم إن لم يأتوا بمعجزٍ لهم ، لم يسمع كلامهم ، وارتفع عن العباد ملامهم ؛ وإن أتوا ببعض المعاجز ، جوّز المكلّفون قدرتهم عليها من دون استنادٍ إلى الخالق ؛ لأنّهم لا يعرفون حقيقتهم ، ويحتملون قابليّتهم.
ومنها : أن يُرسل شخصاً من نوعهم ، يعرفون حقيقته ومقدار قابليّته ، ويحيلون استناد المعاجز إلى قدرته ، وبمقتضى الحكمة لا يجوز صدور المعجز عنه ، وإلا لانقطع طريق العرفان ، وما هو المحبوب أو المكروه عند الملك الديّان.
بل لا بدّ أن تظهر حاله إمّا بإظهار صفات النقص فيه ، من خفّة العقل أو زيادة الجهل ، أو بارتكابه الأفعال الرديّة الّتي يهتدي بها أدنى الجهّال فيه إلى عدم القابليّة ، أو