نفسه غير قابل.
فمن أعظم نعماء الله عليه وإحسانه التامّ إليه ، أمره له بالطاعات ، وتجنّب المعاصي والتبعات ؛ ليرى نفسه أنّه قد أدّى بعض ما يقابل تلك النعم السابغات ، وإن كان كسحاب تَرِد البحر ، ثمّ تمطر عليه من مائه ، فإنّ الكلّ منه ، وكلّما كان من الحُسن صادر عنه.
خامسها : أنّ جميع ما أمر به بعد التأمّل التام ترى فيه صلاحاً للمأمور :
إمّا في إصلاح عقله أو نفسه أو بدنه ، أو أمر خارجيّ يرتبط به ، وجميع ما نهي عنه لا يخفى على صاحب الذهن الوقّاد أنّه لا يخلو من فساد ، حتّى أنّ بعض العقلاء ادّعوا أنّهم يعرفون أحكام الشرع أصولاً وفروعاً بإدراك عقولهم من تتبّع الأدلّة ، وبعض الأطباء ادّعى أنّ جميع الأغذية المحرّمة تعرف بمقتضى علم الطبّ.
وبعد بيان ذلك : كان من الواجب على الله بمقتضى لطفه بيان الأحكام لجميع المكلّفين من الرعية ، وبذلك يعلم المستحقّ للثواب من المستحقّ للمؤاخذة والعقاب.
والكريم إذا خلى من الحكمة ، جاز له أن يبني القصور المشيّدة ، والنمارق الممهّدة ، والمأكل والمشارب الطيّبة ، ويضع فيها الكلاب والخنازير. والعاصي إذا لم يشمله عفو الله تعالى أدنى رتبة منها ، وأمّا الحكيم فيضع الأشياء في مواضعها ، ويعطي كلّ عبد من عبيده ما يستحقّه.
سادسها : أنّه باعث على ترتّب اللذّات بالخدمة ، والخطاب والمناجاة لجبّار الأرض والسماوات ، وأيّ لذّةٍ أعظم من القيام بين يدي مالك الملوك ، ومكالمته وتوجيه الخطاب إليه.
سابعها : اشتماله على لذّة الوفاء ، والإتيان بصورة الجزاء لتلك النعم التي ملأت ما بين الأرض والسماء.