تزيد على ألف ومائتين من الأعوام ، فلم يعدلوا عمّا كانوا ، بل لم يزالوا يتزايدون على الجفاء والغلظة آناً بعد آنٍ.
فإنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان أسخى الناس ، لا يبيت عنده دينار ولا درهم ، وإن فضل ولم يجد من يعطيه وجاءه الليل لم يأوِ إلى منزله حتّى يفرغ منه ، وما سأله أحد شيئاً إلا أعطاه ، وكلّ من سأل منه شيئاً على الإسلام أعطاه.
وأنّ رجلاً سأله فأعطاه غنماً بين جبلين ، فرجع إلى قومه ، فقال : أسلموا ، فإن محمّداً يُعطي عطاءَ من لا يخشى العاقبة.
وكان أشجع الناس : فعن عليّ عليهالسلام أنّه قال : «كنّا نلوذ بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم بدر ، ، وكان أقرب الناس إلى العدوّ» ، وعنه عليهالسلام : أنّه قال : «إذا حمي البأس ، وبقي القوم ، اتّقينا برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلم يكن أحد أقرب إلى العدوّ منه» وكان أكثر الناس تواضعاً ، فإنّه كان يخصف النعل ، ويرقع الثوب ، ويجيب الدعوة ، ويعود المرضى ، ويشيّع الجنائز ، ويزور المؤمنين ، ولا يترفّع على عبيده وخدمه ، ويطعمهم ممّا يأكل ، ويركبهم خلفه.
ويركب الفرس مرّة ، والبغلة مرّة ، والحمار كذلك ، ويمشي مرّة ، ويجلس حيث ينتهي به المجلس ، ويبدأ مَن لقاه بالسلام ، ومن قام معه لحاجة لم يتحرك حتّى ينصرف ، وإذا لقي أحداً من أصحابه بدأه بالمصافحة ، ثمّ أخذ بيده فشابكه ، ثمّ سدّد قبضه عليها.
وكان أكثر جلوسه بأن ينصب ساقيه جميعاً ويمسك بيديه عليهما ، ولم يُعرف مجلسه من أصحابه ، وكان أكثر جلوسه مستقبل القبلة.
وكان قبل النبوّة يرعى الغنم ، وكان يأكل أكل العبد ، ويشدّ حجر المجاعة على بطنه ، ولا يجلس إليه أحد وهو يصلّي إلا
خفّف صلاته وأقبلَ عليه ، وقال له : هل لك حاجة؟ فإذا فرغ من حاجته ، عادَ إلى صلاته.
وكان لا يقوم ولا يقعد إلا بذكر الله ، وكان يُتعب نفسه بالصيام ، وكذا بالصلاة ، حتّى وَرَمَت قدماه.