والجواب عن الآية أنّ حذف التاء فيها للفضل بالمفعول ، وعن البيت بأنّه على تقدير موصوف ، أي النسوة النائحات ، فروعي حال محذوف ، وحكى سيبويه عن بعض العرب : قال فلانة ، استغناء بالمؤنّث الظاهر عن علامته ، فقيل : هو شاذّ ، لا يقاس عليه ، وقيل يقاس على قلّة. وأجازه الأخفش والرّمانيّ (١) ، وأنكره المبرّد. قال الرضيّ : ولا وجه لإنكار ما حكى سيبويه مع أمانته وثقته. قال الشاعر [من الوافر] :
٨٤ ـ إذا قالت حذام فصدّقوها |
|
فإنّ القول ما قالت حذام (٢) |
وأمّا قول الآخر [من الطويل] :
٨٥ ـ تمنّي ابنتاي أن يعيش أبوهما |
|
وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر (٣) |
فضرروة ، إن قدّر الفعل ماضيا ، فإن قدّر مضارعا وأصله تتمنّي ، فحذفت إحدى التائين ، كما قال تعالى : (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى) [الليل / ١٤] ، فلا ضرورة. قال ابن هشام في شرح الشذور : في هذا المحذوف ثلاثة أقوال ، أصحّها أنّه الثانية.
تنبيه : قال بعضهم علم من تعبيرهم بالهندان والهندات من أمثلة القاعدة المذكورة عدم الاعتداد بأل فاصلا ، وعدّ الفصل بها كلا فصل لتتريلها من مصحوبها مترلة الجزء ، وهذا ممّا يلغز به ، فيقال : أيّ صورة يجب فيها تانيث الفعل مع كون فاعله المؤنّث مفصولا عنه ، وإن شيءت نظم ذلك فقل [من السريع] :
٨٦ ـ أين غدا التأنيث للفعل |
|
لديهم حتما مع الفصل |
انتهى.
أو كان فاعل الفعل ضميرا متّصلا لغائبة مطلقا ، أي سواء كان حقيقيّ التأنيث أو لفظيّة ، كهند قامت ، وتقوم ، «والشمس طلعت» ، وتطلع ، وإنّما وجب هنا مطلقا لئلا يتوّهم أنّ ثمّ فاعلا مذكّرا منتظرا ، إذ يجوز أن يقال : هند قام أبوها ، والشمس طلع قرنها ، وقد يجوز تركها في الشعر ، إن كان التأنيث مجازيا كقوله [من المتقارب] :
٨٧ ـ فلا مزنة ودقت ودقها |
|
ولا أرض أبقل إبقالها (٤) |
__________________
(١) علي بن عيسى أبو الحسن الرمانيّ ، كان إماما في العربية ، قال أبو حيّان : لم ير مثله قطّ علما بالنحو ، شرح اصول ابن السّراج ، شرح سيبويه و... مات سنة ٣٨٤ ه. بغية الوعاة ٢ / ١٨٠.
(٢) هذا البيت قيل إنه لديسم بن طارق أحد شعراء الجاهلية ، وقد جرى مجرى المثل ، وصار يضرب لكلّ من يعتدّ بكلامه ، ويتمسك بمقاله ، ولا يلتفت إلى ما يقول غيره ، وفي هذا جاء به الشارح ، وهو يريد أن سيبويه هو الرجل الّذي يعتد بقوله ويعتبر نقله لأنه الّذي شافه العرب ، وعنهم أخذ ، ومن ألسنتهم استمدّ. ابن عقيل ١ / ١٠٥.
(٣) هو للبيد بن ربيعة. اللغة : ربيعة أو مضر : هما ابنا نزار بن معد بن عدنان ، وهما أبو العرب العدنانيين.
(٤) البيت لعامر بن جوين الطائي : اللغة : المزنة : السحابة المثقلة بالماء ، الودق : المطر ، أبقل : أنبت البقل ، وهو النبات.