قال ابن مالك : وبعد إذا الفجائية ، نحو : خرجت فإذا السبع ، أي حاضر ، وهو قليل ، وتبعه ابن هشام في الأوضح ، وهو بناء على أنّ إذا حرف ، أمّا القائل بأنّها للمكان فلا يقدّر محذوفا ، بل يجعلها هي الخبر كما سيأتي تحقيقه في حديقه المفردات ، إن شاء الله تعالى.
وأمّا حذف المبتدأ فعند قيام القرينة أيضا ، نحو قولك : زيد ، لمن قال : من هذا ، أي هذا زيد ، وهو كثير بعد الاستفهام ، قال الله تعالى : (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ* نارُ اللهِ) [الهمزة ٦ و ٥] ، أي هي نار الله ، (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ* نارٌ حامِيَةٌ) [القارعة ١١ و ١٠] ، (ما أَصْحابُ الْيَمِينِ* فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) [الواقعة / ٢٧ و ٢٨] ، (أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ) [الحج / ٧٢] ، وبعد فاء الجواب (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) [فصلت / ٤٦] ، أي فعمله لنفسه وإساءته عليها ، (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) [البقرة / ٢٢٠] ، أي فهم (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ) [البقرة / ٢٦٥] ، (وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ) [فصلت / ٤٩] ، وبعد القول نحو : (وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [الفرقان / ٥] ، (قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) [الذاريات / ٥٢] ، (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ) [الكهف / ٢٢] ، وفي غير ذلك نحو قوله تعالى : (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ) [الأحقاف / ٣٥] ، أي هذا بلاغ بدليل (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) [إبراهيم / ٥٢] ، (سُورَةٌ أَنْزَلْناها) [النور / ١] ، أي هذه سورة. وقد اجتمع حذف كلّ من المبتدأ والخبر جوازا في قوله تعالى : (سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) [الذاريات / ٢٥] ، أي سلام عليكم أنتم قوم منكرون ، فحذف خبر الأوّل ومبتدأ الثاني.
وقد يحتمل المحذوف الأمرين ، ويكثر بعد الفاء نحو : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) [النساء / ٩٢] ، (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة / ١٨٥] ، (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [البقرة / ١٩٦] ، (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) [البقرة / ٢٨٠] ، أي فالواجب ، كذا وفعليه أو فعليكم كذا ، ويأتي في غيره ، نحو : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) [يوسف / ٨٣] ، أي أمري أو أمثل ومثله : (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) [محمد / ٢١] ، أي أمرنا أو أمثل وإذا دار الأمريين كون المحذوف مبتدا وكونه خبرا كما ذكر.
فقال الواسطيّ (١) : الأولى كونه مبتدأ ، لأنّ الخبر محطّ الفائدة ، وقال العبديّ (٢) : الأولى كونه الخبر ، لأنّ الحذف بالأعجاز والأواخر اليق منه بالصدور والأوائل ، حكاه ابن أياز.
__________________
(١) القاسم بن القاسم أبو محمد الوسطي ، عالم بالعربية ، من كتبه «شرح اللمع لابن جني» و «فعلت وأفعلت» و «شرح المقامات الحريرية» ، مات سنة ٦٢٦ ه. الأعلام للزركلي ، ٦ / ١٤.
(٢) أحمد بن بكر بن أحمد بن بقية العبديّ أحد أئمة النحاة المشهورين ، كان نحويّا لغويّا ، له شرح الإيضاح و... مات سنة ٤٠٦ ه .. بغية الوعاة ١ / ٢٩٨.