فالمنع مذهب البصريّين والفرّاء ، وأجازه بقيّة الكوفيّين ، لأنّ ما عندهم لا يلزم تصديرها. وخصّ ابن كيسان المنع بغير ما النفي شرط في عمله لأنّ نفيه إيجاب ، فإن كان النفيّ بغير ما جاز التقديم مطلقا خلافا للفرّاء في اطلاقه المنع مع كل ناف ، ويردّه قوله [من الطويل] :
١٢٥ ـ ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته |
|
على السّنّ خيرا لا يزال يزيد (١) |
وأمّا توسّطه بين النّافي والمنفيّ فجائز مطلقا ، نحو : ما قائما كان زيد ، وما قائما زال زيد ، قاله غير واحد ، وحكى الرضيّ الاتّفاق على منعه فيما النفي فيه شرط في العمل ، وليس كذلك.
ولا يجوز توسّطه بين ما ودام ، كما جزم به صاحب الإيضاح والبدر بن مالك والرضيّ ، بل ظاهر كلام الألفية أنّه مجمع عليه. قال المراديّ : وفيه نظر : لأنّ المنع معلل إمّا بعدم تصرّفها ، وهو لا ينهض مانعا بدليل اختلافهم في ليس مع اتفاقهم على عدم تصرّفها ، أو كون ما موصولا حرفيّا لا يفصل بينه وبين صلته ، وفيه خلاف فقد أجازه كثير إذا لم يكن عاملا.
واختلف في تقديم خبر ليس ، فأجازه قدماء البصريّين ، ومنعه الكوفيّون والمبرّد وابن السرّاج والجرجانيّ وأكثر المتأخّرين ، قال ابن مالك في شرح الكافيّة : والمنع أحبّ إلى لشبه ليس بما في النفي وعدم التصرّف ، ولأنّ عسى لا يتقدّم خبرها إجماعا لعدم تصرّفها مع الاتّفاق على فعلى تها ، فليس أولى بذلك لمساواتها لها في عدم التصرّف مع الاختلاف في فعليتها ، انتهى.
وفرّق ابنه (٢) بين عسى وليس بأنّ عسى متضمّنة معنى ماله صدر الكلام ، وهو لعلّ بخلاف ليس. قال بعض الأئمة : ويمنع هذا الفرق بأن ليس أيضا متضمّنة معنى ما له صدر الكلام وهو ما النافية ، انتهى. وقد يجاب بمنع تضمّن ليس معنى ما ، لأنّ ليس عنده لنفي الحال كما صرّح به ، وما لما هو أعمّ فلم تتضمّن معناها والنفي وإن لزم صدر الكلام في ما لم يلزمه فيما عداها.
تنبيه : قال المراديّ ينبغي أن يكون الخلاف في غير ليس المستثنى بها فيمتنع التقديم فيها قولا واحدا ، وسبقه في ذلك شيخه أبو حيّان فقال في باب الاستثناء من الإرتشاف :
__________________
(١) البيت للمعلوط القريعي. اللغة : على السن : أي على العمر.
(٢) سقط ابنه في «ح» ، وهو بدر الدين بن مالك ، له من التصانيف : شرح ألفيه ، ومات سنة ٦٨ ه. بغية الوعاة ١ / ٢٢٥.