«ولعلّ» وليس أصلها علّ واللام لام الابتداء خلافا للمبرّد كما حكاه عنه صاحب المفتاح ، بل علّ لغة فيها كما سيأتي ، وهي لتوقّع مرجوّ أو مخوف ، نحو : لعلّ الحبيب واصل ولعلّ الرقيب حاصل. قال ابن هشام وغيره : وتختصّ بالممكن ، وقول فرعون (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ) [غافر / ٣٦] ، إنّما قاله جهلا أو مخرقة وإفكا ، انتهى.
قال جماعة منهم الأخفش : وتكون للتعليل كاللام ، وحملوا عليه قوله تعالى : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) [طه / ٤٤] ، ومن لم يثبته يحمله على الرجاء ، ويصرفه للمخاطبين ، أي إذهبا على رجائكما. حكى الأخفش أفرغ عملك لعلّنا نتغذّي ، أي لنتغذّي ، قالوا : ولهذا جرت بها عقيل كقوله ، ورواه السيرافيّ عن ابن دريد (١) في شرح الكتاب [من الطويل] :
١٤٢ ـ وداع دعا يا من يجيب إلى النّدي |
|
فلم يستجبه عند ذاك مجيب |
فقلت ادع أخري وارفع الصّوت دعوة |
|
لعلّ أبي المغوار منك قريب (٢) |
وقال الكوفيّون : وتكون للاستفهام ، وتبعهم ابن مالك ، وجعل منه قوله تعالى : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) [عبس / ٣] ، وقوله عليه السّلام لبعض الأنصار وقد خرج إليه مستعجلا : لعلّنا اعجلناك. والآية عند غيرهم محمولة على الترجّي ، والحديث على الإشفاق.
تنبيهات : الأوّل : اضطربت أقوالهم في لعلّ الواقعة في كلامه تعالى لاستحالة ترقّب غير الموثوق بحصوله عليه ، فقال قطرب وأبو على : معناها التعليل ، فمعنى افعلوا الخير لعلّكم ترحمون ، أي لترحموا ، ولا يستقيم ذلك في : (لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) [الشوري / ١٧] ، إذ لا معنى للتعليل هنا ، وقيل : هي لتحقيق الجملة الّتي بعدها ، ولا يطّرد في : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) [طه / ٤٤] إذ لم يحصل من فرعون التذكّر والخشية.
وأمّا قوله : آمنت بالّذي آمنت به بنو إسرائيل الآية (٣) فتوبة يأس لا معنى تحتها ، ولو كان تذكّرا حقيقيّا لقبل منه ، والحقّ ما قاله سيبويه : أنّ الرجاء والإشفاق متعلّقان بالمخاطبين ، والأصل في الكلمة أن لا يخرج عن معناها بالكلّية. فلعلّ منه تعالى حمل المخاطبين على أن يرجوا أو يشفقوا ، كما أنّ الشكّ في أو كذلك ، ولا يجب أن يكون
__________________
(١) محمد بن الحسن بن دريد أشعر العلماء وأعلم الشعراء ، له من التصانيف ، الجمهرة في اللغة ، المقصور والممدود ، أدب الكاتب و... مات سنة ٣٢١ وقيل : بموته مات علم اللغة والكلام جميعا ، المصدر السابق ١ / ٧٦.
(٢) هذان البيتان لكعب بن سعد الغنوي ، من قصيدة مستجادة يرثي فيها أخاه أبا المغوار. والبيت الثاني تقدّم برقم ١٠٥.
(٣) لعلّ قصده الآية التسعون من سورة يونس (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ.)