أحدها : إمكان ظهور ذلك المحلّ في الفصيح ، ولذلك لما جاز في نحو : ليس زيد بقائم ، وما جاءني من امرأة أن تسقط الباء فتنصب ، ومن فترفع ، جاز أن يعطف (١) على الأوّل منصوبا وعلى الثاني مرفوعا ، بخلاف مررت بزيد وعمرو ، ولمّا لم يجز مررت زيدا ، بإسقاط الباء ، لم يجز أن ينصب عمرو بالعطف على محلّ زيد المجرور خلافا لابن جنيّ ، وجاز في قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) [المائدة / ٦] نصب المعطوف على محلّ المجرور لجواز مسحت الراس في الفصيح.
الثاني : أن يكون الموضع يحقّ الاصالة ، فلا يجوز هذا ضارب زيدا وأخيه ، لأنّ الوصف المستوفي لشروط العمل ، الأصل إعماله ، لا إضافته لالتحافه بالفعل خلافا للبغداديّين.
الثالث : وجود المحرز أي الطالب للمحلّ ، فلذلك لم يجز عطف المرفوع على المحلّ في هذا الباب ، لأنّ موضع الاسم بعد أنّ لا محرز له ، لأنّ الطالب لرفعه هو الابتداء الّذي هو التجرّد قد زال بدخول أنّ ، فامتنع العطف عليه بالرفع بعد مضي الخبر وقبله ، نحو : إنّ زيدا قائم وعمرو ، وإنّ زيدا وعمرو قائمان. قال ابن هشام : وأجاز بعض البصريّين الأولى ، لأنّهم لم يشترطوا المحرز ، ومنعوا الثانية لمانع آخر هو توارد العاملين ، وأجازهما الكوفيّون ، لأنّهم لم يشترطوا المحرز ، وأن لا تعمل في الخبر عندهم شيئا ، انتهى.
الثالث : [من تنبيهات] حكم التوابع ما عدا البدل حكم النسق عند الجرميّ والزّجاج ، فيجوز الاتّباع في مذهبهما في الثلاثة بعد مضيّ الخبر لا قبله ، نحو : إنّ زيدا قائم العاقل أو بطة أو نفسه ، ومطلقا عند الكسائيّ والفرّاء ، لكن بشرط خفاء الإعراب عند الفرّاء وحكى سيبويه : إنّهم أجمعون ذاهبون ، وحملوا عليه قوله تعالى : (إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [سبأ / ٤٨] ، قال الزّجاج : علّام الغيوب صفة لربي.
قال ابن عصفور والمحقّقون من البصريّين : لا يجيزون في غير المنوّن من التوابع إلا النصب فقط ، إلا أن يسمع شيء فيحفظ ولا يقاس عليه ، وقدّر سيبويه (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) مبتدأ أو بدلا من فاعل يقذف. وقال ابن مالك في شرح الكافيّة ونسب سيبويه قائل : إنّهم أجمعون ذاهبون إلى الغلط مع أنّه من العرب الموثوق بعربيّتهم ، وليس ذلك من سيبويه بمرضيّ ، بل الأولى أن يخرج على أنّ قائل ذلك أراد أنّهم هم أجمعون ذاهبون ، على أن يكون هم مبتدأ مؤكّدا بأجمعون مخبرا عنه بذاهبون ، ثمّ حذف المبتدأ وبقي توكيده كما يحذف الموصوف وتبقى صفته ، انتهى.
__________________
(١) سقط جاز أن يعطف في «س».