التوارد ، لأنّ إنّ وأخواتها لا تعمل في الخبر شيئا عند الكوفيّين كما مرّ ، لكن اشترط الفرّاء خفاء الإعراب ، نحو : إنّك أو إنّ الفتى وزيد ذاهبان ، ولم يخصّص ذلك بالثلاثة ، بل عمّمه في السّتة تمسّكا بقوله [من الرجز] :
١٦٧ ـ يا ليتني وأنت يا لميس |
|
في بلد ليس بها أنيس (١) |
وخرّج على أنّ الاصل : وأنت معي ، والجملة حالية.
تنبيهات : الأوّل : محلّ الخلاف في رفع الاسم قبل مضيّ الخبر أنّما هو حيث يتعيّن كون الخبر للاسمين ، نحو : إنّك وزيد ذاهبان ، وأمّا نحو : إنّ زيدا وعمرو في الدار فجائز باتّفاق ، نبّه عليه ابن هشام في شرح «بانت سعاد» (٢) قال : وهذا موضع يكثر فيه الوهم.
الثاني : جواز رفع تإلى العاطف فيما مرّ ونحوه متّفق عليه ، واختلف في تخريجه ، فقيل : هو معطوف على محلّ اسم إنّ ، كما ذكره المصنّف ، وهو قول نقله ابن هشام عن بعض البصريّين وأبو حيّان في الإرتشاف عن الكوفيّين والجرمي (٣) والزّجاج ، وجرى عليه ابن حاجب وابن مالك وشرّاح كلامهما ، وقيل : هو مبتدأ محذوف الخبر ، وقيل : معطوف على ضمير الخبر ، وهذان الوجهان لا خلاف في تخريجه عليهما.
وأمّا الأوّل فادّعى ابن مالك أنّه لا خلاف فيه أيضا ، ونوزع في ذلك ، قال أبو حيّان : اتّفقوا على جواز الرفع بعد مضيّ الخبر ، واختلفوا على ما ذا يرفع ، وذهب سيبويه والجرميّ وأجازه أصحابنا أنّه على المبتدأ ، والخبر محذوف لدلالة ما قبله عليه ويتعيّن ذلك فيه ، وذهب أبو الحسن والمبرّد والفارسيّ إلى أنّه معطوف على الموضع ، فقيل : موضع اسم إنّ ، وقيل : موضعها مع اسمها.
ونقل النحاس عن الفرّاء والطّوال أنّه إنّما يرتفع بالعطف على الضمير المستتر في خبر الأوّل ، ومن قال بشيء من هذه الأقوال لم يمنع القول بالابتداء ، قال : فدعوى ابن مالك الإجماع على جواز رفع المعطوف على اسم أنّ ولكنّ باطلة لما ذكرنا من مذهب سيبويه وأصحابنا ، انتهى.
والحقّ الّذي عليه المحقّقون المنع من رفع المعطوف على محلّ الاسم مطلقا ، سواء كان مضي الخبر أم لم يمض ، خفي الإعراب ، أم لم يخف ، وذلك لأنّ للعطف على المحلّ عندهم ثلاثة شروط :
__________________
(١) هو للعجّاج أو لرؤبة.
(٢) قصيدة «بانت سعاد» أو «البردة» لكعب بن زهير شاعر العصر الاسلامي (ت ٢٤ ه) مدح بها النبي (ص) في مسجد المدينة.
(٣) صالح بن إسحاق أبو عمر الجرمّي البصري ، كان فقيها عالما بالنحو واللغة ، له من التصانيف : التنبيه ، مختصر في النحو ، غريب سيبويه ، مات سنة ٢٦٥ ه. بغية الوعاة ٢ / ٨.