خبر المبتدأ ، فهو مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخولها بدليل حمل جميع توابعها على الموضع قبل الخبر ، ولو لا أنّها في موضع رفع بالابتداء لم يجز ذلك ، وقيل : بل هي عاملة في الاسم والخبر معا ، وهو مذهب الجمهور ، وصحّحه ابن مالك ، قال : لأنّ كلّ ما استحقّت به العمل من المناسبات باق فليبق ما ثبت بسببه ، ولا يضرّ التركيب كما لم يضرّ أنّ صيرورتها بفتح الهمزه مع معموليها كشيء واحد ، ولو كان جعل لا مع اسمها كشيء واحد مانعا من العمل في الخبر لمنعها من العمل في الاسم فلا يمنع عملها في الخبر ، وأيضا إنّ عمل لا في الخبر أولى من عملها في الاسم ، لأنّ تاثيرها في معناه أشدّ من تاثيرها في معنى الاسم ، انتهى.
ونسب إلى ظاهر مذهب سيبويه ، وصرّح ابن هشام في حواشيه على التسهيل أنّ سيبويه يرى في لا رجل أنّ كلمة «لا» لا عمل لها في الاسم ، ولا في الخبر ، لأنّها صارت جزء كلمة ، لهذا جعل النصب في لا رجل ظريفا كالرفع في يا زيد الفاضل لا على محلّ الاسم بعد لا ، وبه صرّح في المغني أيضا. فتلخّص في المسألة ثلاثة أقوال : أحدها : عملها في الاسم دون الخبر ، الثاني : عملها فيهما جميعا ، الثالث : منعه فيهما جميعا. وتظهر جدوى الخلاف في نحو قوله [من الوافر] :
١٩٢ ـ فلا لغو ولا تأثيم فيها |
|
... (١) |
فعلى القول الأوّل والثالث تكون «فيها» خبرا عن المبتدأين ، وعلى القول الثاني يمتنع لاستلزامه توارد عاملين على معمول واحد ، فيكون فيها خبرا عن أحد المبتدأين ، وخبر الآخر محذوفا ، دلّ عليه المذكور.
فإن «عرّف» اسمها أو «فصّل» بينه وبينها بفاصل «أهملت» وجوبا لما مرّ فيرجع ما بعدها إلى الأصل ، ويرفع على أنّه مبتدأ وخبر ، وخالف الكوفيّون في التعريف ، فأجازوا بناء العلم ، وأبو عثمان (٢) في الفصل ، فأجاز معه العمل ، ولكنّه لا يبني ، وقد جاء في السعة لا منها بدّ ، بالبناء مع الفصل ، وليس ممّا يؤوّل عليه ،
قاله ابن هشام في حواشي التسهيل «وكرّرت» وجوبا عند سيبويه والجمهور في غير الضرورة ، أمّا مع المعرفة فليكون التكرار خبرا لما فاتها من نفي الجنس الّذي لا يمكن حصوله مع المعرفة ، لأنّ نفي الجنس هو تكرار النفي في الحقيقة.
__________________
(١) تمام البيت «ولا حين ولا فيها مليم» ، هو من قصيدة لأمية بن أبي الصلت ، يذكر فيها أوصاف الجنّة وأهلها وأهوال يوم القيامة وأهلها. اللغة : اللغو : قول باطل ، التأثيم : نسبة الاثم إلى الغير ، الحين : هلاك وفناء ، المليم. هو الّذي يفعل ما يلام عليه.
(٢) لعله أبو عثمان المازني ، وقد تقدّم ذكره.