وتسميتها بما قاله مجاز مرسل من باب تسمية الكلّ باسم جزئه كتسميتهم الكلام بالكلمة ، وربيئة القوم عينا ، لأنّها باعتبار معانيها ثلاثة أقسام : ما يدلّ على قرب خبرها ، وما يدلّ على ترجّيه ، وما يدلّ على الشروع فيه كما يعلم من كلامه الآتي ، وإنّما خصّوا المقاربة لكونها مرتبة وسطي بين أفعال الرجاء وأفعال الشروع ، والوسط له حظّ في كلا الطرفين ، فكان أحقّ بالترجمة منهما كذا قيل.
قال بعض المحقّقين : والصواب أنّ تسميتها بذلك من باب التغليب ، وذلك لأنّ تسمية الكلّ باسم جزئه عبارة عن إطلاق اسم الجزء على ما تركّب منه ومن غيره كتسمية المركّب كلمة ، وتسمية الأشياء مجتمعة من غير تركيب باسم بعض منها يسمّى تغليبا كالقمرين والعمرين ، إذا تقرّر ذلك ظهر لك أنّ تسمية جميع أفعال الشروع بأفعال المقاربة من التغليب ، لا من تسمية الكلّ باسم الجزء فتأمّله ، انتهى.
«وهي» على ما عدّه ستّة وإلا فهي أكثر من ذلك كما سنذكره إن شاء الله تعالى ، «كاد وكرب» بفتح الراء وكسرها ، والفتح أفصح ، «وأوشك» والثلاثة «لدنوّ الخبر» ، أي لقرب ثبوت خبرها لاسمها ، «وعسى» وإخلوق وحري بفتح الراء والحاء المهمليتن كذا في الصريح.
قال الرضيّ : وقد يستعمل حري زيد أن يفعل كذا بكسر الراء ، وإخلولق عمرو أن يقوم ، استعمال عسى بلفظ الماضي فقط ، ومعناهما صار حريّا ، وحريّا أي جديرا وصار خليقا ، أصلهما حري بأن يفعل ، وإخلوق بأن يقوم ، فحذف حرف الجرّ كما هو القياس مع أن وأنّ ، ويقال أيضا : وهو حري أن يفعل بفتح الراء والتنوين على أنّه مصدر بمعنى الوصف ، فلا يثنّى ولا يجمع ولا يؤنّث ، تقول : هنّ حري أن يفعلن ، وإذا قلت : هو حريّ على فعيل ، أو حر بكسر الراء كعم أن يكون ثنيّت وجمعت وأنّثت ، انتهى.
وقال ابن هشام في شرح الشذور : لا أعرف من ذكر حري من النّحويّين غير ابن مالك ، وتوهّم أبو حيّان أنّه وهم فيها ، وأنّما حري بالتنوين اسم لا فعل ، وأبو حيّان هو الواهم ، بل ذكرها أصحاب كتب الأفعال من اللغويّين كالسرقسطي (١) وابن طريف (٢) ،
__________________
(١) لعلّه قاسم بن ثابت السرقسطي ، عالم بالحديث واللغة ، وهو أوّل من أدخل كتاب العين إلى الاندلس ، له كتاب «الدلائل» في الحديث ، مات سنة ٣٠٢ ه. الأعلام للزركي ٦ / ٧. أو محمد بن يوسف السرقسطي الأندلسيّ ، من الكتاب الأدباء ، له كتاب «المسلسل» في اللغة ، مات سنة ٥٣٨ ه. المصدر السابق ، ٨ / ٢٢.
(٢) عبد الملك بن طريف الأندلسي أبو مروان النحوي اللغويّ ، كان حسن التصرّف في اللغة ، وله كتاب حسن في الأفعال ، مات في حدود الأربعمائة ، بغية الوعاة ٢ / ١١١.