الثانية : أن يقع عامله بعد فاء الجزاء في جواب أمّا ، وليس للعامل منصوب غيره ، مقدّم عليها ، نحو : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) [الضحي / ٩] ، وقد تقدّر أمّا نحو : (رَبَّكَ فَكَبِّرْ) [المدثر / ٣] ، بخلاف أمّا اليوم فأضرب زيدا.
تنبيهان : الأوّل : منع الكوفيّون تقديم المفعول في نحو : زيدا غلامه ضرب ، لأنّه متأخّر في التقدير من وجوه : أحدها بالنظر إلى غلامه ، لأنّه من تمام خبره ، والثاني بالنظر إلى ضرب ، لأنّه لا مفسّر له قبله بخلاف قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ) [البقرة / ١٢٤] ، لأنّ المنصوب متأخّر من جهة المعموليّة والمفعوليّة.
ومنعوا أيضا غلامه أو غلام أخيه ضرب زيد. وما أراد أخذ زيد ، على أنّ في أراد ضمير زيد ، لأنّ المفسّر فيها هو الفاعل ، ولا يجوز أن تقدّره قبل المفعول المقدّم على الفعل ، لأنّ الفاعل لا يتقدّم على الفعل ، فكيف يفسّر ما هو متقدّم لفظا ، وليس بمتقدّم تقديرا ، بخلاف ضرب غلامه زيد ، فإنّ مرتبة المفسّر قبل الضمير ، ويجوز تقديمه عليه.
ومنعوا ما طعامك أكل إلا زيد ، لأنّك حذفت الفاعل الّذي هو الأصل والعمدة ، واعتنيت بالمفعول الّذي هو الفضلة ، وذلك بأن قدّمته على الفعل ، وأجاز ذلك البصريّون في المسائل الخمس. قال الرضيّ عليه من الله الرضا ، وهو الحقّ اكتفاء بالتقدّم اللفظيّ في الأولى ، ولأنّ مرتبة المفعول بعد الفاعل ، فإذا لم يجز تقديم المفسّر وحده ، أي الفاعل ، أخّرنا ما اتّصل به ضمير المفسّر ، فنقول : إنّ تقدير غلامه ضرب زيد ، ضرب زيد غلامه ، فغلامه واقع في التقدير بعد زيد الواقع بعد عامله ، ولأنّ المستثنى قد سدّ في الأخير مسدّ الفاعل ، ولورود السماع بما منعوه ، فنظير الأولى قوله [من البسيط] :
٢٢٥ ـ كعبا أخوه نها وانقاد منتهيا |
|
ولو أبي بات بالتخليد في سقر (١) |
ونظير الثانية قوله [من الخفيف] :
٢٢٦ ـ رأيه يألف الّذي إلف الحمد |
|
ويشقي بسعيه المغرور (٢) |
ونظير الثالثة قوله [من الرمل] :
٢٢٧ ـ شرّ يوميها وأغواه لها |
|
ركبت عتر بحدج جملا (٣) |
ونظير الرابعة قوله [من البسيط] :
٢٢٨ ـ ما شاء إن شاء ربّي والّذي هو لم |
|
يشاء فلست تراه فاشيأ أبدا (٤) |
_________________
(١) لم أجد البيت.
(٢) لم أجد البيت.
(٣) لم يسمّ قائله : اللغة : عتر : امرأة من طسم ، سبيت فحملت في هودج يهزؤن بها والتقدير : ركبت عتر جملا مع حدج ، أو جملا سائرا بحدج. الميداني ، مجمع الامثال والحكم ، الجزء الثاني ، الطبعة الثانية ، دار الجيل ، بيروت ، ١٤٠٧ ه ، ص ٥٣.
(٤) لم أجد البيت.