كان في معناه وصل إليه ، كما وصل إلى ما هو من لفظه ، لأنّ الأصل عدم التقدير بلا ضرورة ملجاة إليه.
والثاني : هو مذهب الجمهور ، كما قال ابن عقيل ، لأنّ الكثير كون المصدر من اللفظ للفعل ، وكونه بغير لفظه قليل ، فحمل القليل على الكثير ، أو ضربت ضرب الأمير ، مثال للمفعول المطلق المبيّن لنوعه ، وهو عطف على ضربت ضربا بتقدير ، أو ضربت ضرب الأمير ليكون عطف مثال على مثال لا على ضربا فافهم. والأصل ضربا مثل ضرب الأمير ، فحذف الموصوف من الصفة ، ومثله ضربته ضربا شديدا ، أو ضربته الضرب ، أي الضرب المعهود ، فلو أردت بالضرب الجنس ، كان من قبيل المؤكّد على ما ذكره بعض المتأخّرين ، أو ضربت ضربتين مثال للمفعول المطلق المبيّن لعدده ، ومثله (فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) [الحاقة / ١٤] ، وضربته ضربات.
وقد ينوب عن المصدر غيره من صفته ، نحو : اشتمل الصّماء (١) ، أو ضميره نحو : عبد الله أظنّه جالسا ، بنصب عبد الله ، أو إشارة إليه كضربته ذلك الضرب ، ولا يشترط كونها متبعة بالمصدر ، وقول ابن مالك باشتراطه مردود بقول العرب : ظننت ذلك ، يشيرون به إلى الظّنّ ، أو مرادف له نحو : شنيته بغضا ، وأحببته مقة ، أو مشارك له في مادّته ، وهو ثلاثة : اسم مصدر ، نحو : اغتسل غسلا ، واسم عين ، نحو : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح / ١٧] ، ومصدر لفعل آخر ، نحو : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) [المزّمل / ٨] ، والأصل اغتسالا وإنباتا وتبتلا.
أو دالّ على نوع منه كقعد القرفصا ، ورجع القهقري ، والأصل قعد القعد القرفصاء ، ورجع الرجعة القهقري ، أو دالّ على عدده ، كضربته عشر ضربات [أو كقوله تعالى] : (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) [النور / ٤] ، أو على آلته كضربته سوطا وسوطين وأسواطا ، والأصل ضربته ضربة بسوط وضربتين بسوط وضربات بسوط ، أو كلّ ، نحو : (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) [النساء / ١٢٩] ، أو بعض ، نحو : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) [الحاقة / ٤٤] ، أو ما الاستفهاميّة ، نحو : ما تضرب زيدا ، أي أيّ ضرب تضرب زيدا ، أو ما الشرطيّة ، نحو : ما شيءت فنم ، أي أيّ نوم شيءت فنم.
«و» المصدر «المؤكّد» لعامله لا يثنّى ، ولا يجمع ، بل هو «المفرد دائما» باتّفاق ، قال الرضيّ : إذ المراد بالتاكيد ما تضمّنه الفعل بلا زيادة عليه ، ولم يتضمّن الفعل إلا
__________________
(١) اشتمل الصّماء : هو أن يردّ الكساء من قبل يمينه على يده اليسري وعاتقه الأيسر ثمّ يردّه ثانية من خلفه على يده إليمنى وعاتقه الأيمن فيغطيهما جميعا. لسان العرب ٢ / ٢٢٤١ (صمم).