«و» يجب حذفه «قياسا» فيما علم له من استقراء كلامهم ضابط كليّ يدلّ على حذف الفعل معه لزوما لما فيه من القرينة الدالّة على خصوص الفعل ووقوع ما يسدّ مسدّه ، ويجرى عليه ما لم يسمع وذلك في مواضع.
منها ما وقع تفضيلا لعاقبة مضمون جملة تقدّمته طلبيّة كانت نحو : قوله تعالى : (فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) [محمد / ٤] ، أي تمنّون منّا أو تفدون فداء ، فجملة قوله فشدّوا الوثاق متضمّنة لشدّ الوثاق ، وعاقبته إمّا قتل وإمّا استرقاق أو منّ أو فداء ، ففصّل هذا المطلوب بقوله : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ،) أو خبريّة كقولك : زيد يكتب فقراءة بعد أو بيعا ، وعمرو يشترى طعاما (١) فإمّا بيعا وإمّا أكلا ، ومنه قوله [من البسيط] :
٢٣٢ ـ لأجهدنّ فإمّا درء واقعة |
|
تخشى وإمّا بلوغ السّؤل والأمل (٢) |
فدرء وقوع تفضيل لعاقبة الجهد ، أي إمّا أدرأ وإمّا أبلغ ، وإنّما وجب الحذف في هذه الصورة لوجود القرينة ، وهي نصب المفعول المطلق لإشعاره بالعامل المحذوف ، وسدّ الجملة المتقدّمة مسدّه لمناسبتها له من جهة أنّه تفضيل لعاقبة مضمونها بخلاف ما لو وقع غير تفضيل كمننت منّا ، أو تفضيلا لا لعاقبة مضمون جملة كزيد يسافر سفرا قريبا أو بعيدا.
ومنها ما وقع مؤكّدا لنفسه أو لغيره ، فالأوّل هو الواقع بعد جملة هي نصّ في معناه لا يتحمّل من المصادر غيره ، نحو : له على ألف اعترافا ، فجملة له على ألف نصّ في الاعتراف لا يتطرّق إليها احتمال غيره ، فالمصدر الظاهر بعدها ، وهو اعترافا يؤكّد الاعتراف الّذي تضمّنته الجملة كما أنّ المصدر مؤكّد لنفسه في نحو : ضربت ضربا ، إلا أنّ المؤكّدها هنا مضمون المفرد أي الفعل من دون الفاعل ، لأنّ الفعل وحده دالّ بطريق النصّ على الضرب ، وأمّا في مسألتنا فالاعتراف مضمون الجملة الاسميّة بكمالها لا مضمون أحد جزئيها ، لا يقال : مضمون الجملة ثبوت الألف عليه ومفهوم الاعتراف مطلق ، لأنّا نقول : هذا المطلق مندرج في ذلك المقيّد ، فهو أيضا مضمون الجملة ، وسمّي مؤكّدا لنفسه ، لأنّه بمترلة تكرار ما قبله ، فكان الّذي قبله نفسه ، وقد جوّز فيه الرفع خبرا لمبتدإ محذوف ، أي هذا الكلام اعتراف.
الثاني : هو الواقع بعد جملة تحتمل معناه وغيره ، فتصير به نصّا نحو زيد قائم حقّا ، فجملة زيد قائم ، قبل دخول المصدر كانت محتملة لأن تكون مضمونا ثابتا بحسب الواقع
__________________
(١) سقط «طعاما» في «ح».
(٢) البيت بلا نسبة. اللغة : الدرء : الدفع ، السؤل : ما سألته.