فيكون حقا ، ولأن يكون مضمونها غير ثابت في الواقع ، فيكون غير حقّ ، فلمّا جاء المصدر المذكور صارت به نصّا في الحقيقة وسمّي مؤكّدا لغيره لأنّه يجعل ما قبله نصّا ، بعد أن كان محتملا ، فهو مؤثّر ، والمؤكّد متأثّر ، والمؤثّر غير المتأثّر ، وإنّما وجب الحذف في هاتين الصورتين لوجود القرينة ، وهي نصب المصدر فيهما لإشعاره بالمحذوف ، وسدّ الجملتين فيهما مسدّه ، والمناسبة ظاهرة.
تنبيه : الأصحّ كما في التسهيل منع هذين المصدرين ، فلا يقال اعترافا له على ألف ، ولا حقّا زيد قائم ، لأنّ العامل فيهما فعل مقدّر يفسّره مضمون الجملة ، أي اعترفت بذلك اعترافا ، وأحقّه حقّا ، ولا يتأتّى ذلك إلا بعد تمام الجملة ، قال الرضيّ : وأنا لا أرى بأسا بارتكاب كون الجملتين بأنفسهما عاملتين في المصدرين لأفادتهما معنى الفعل ، فلا يتقدّم المصدران لضعف العامل ، ولا يكونان إذن من هذا الباب.
ومنها ما وقع محصورا فيه بإلا أو بإنّما أو مكرّرا بعد اسم لا يصلح خبرا عنه ، فالأوّل نحو : ما أنت إلا سيرا ، وإنّما أنت سيرا ، والثاني نحو : زيد سيرا سيرا ، والتقدير ما أنت إلا تسير سيرا ، وإنّما أنت تسير سيرا ، وزيد يسير سيرا ، وقد يجئ ذلك معرّفا نحو : ما أنت إلا سير البريد ، وزيد السير السير ، فالاسم الّذي جاء بعده المصدر في هذه الأمثلة اسم عين ، والمصدر لا يصلح أن يكون خبرا عنه ، فوجب الحذف في ذلك كلّه للقرينة الّتي هي نصب المصدر لإشعاره بالمحذوف كما مرّ مع عدم صلاحيته للخبريّة لو رفع ، وقيام إلا وإنّما في الأوّل وطرفي التكرير في الثاني مقام المحذوف بشهادة أنّ الأوّل لو أقيم لم يكن ثمّ داع إلى التكرير في الإقامة ، وإنّما قامت إلا ، وإنّما مقامه لما في الحصر من التاكيد القائم مقام التكرير.
فإن لم يكن المصدر محصورا ولا مكرّرا لم يجب الحذف ، نحو : أنت تسير سيرا ، وان شيءت حذفت ، فقلت : أنت سيرا ، ولو كان العامل خبرا عن اسم معنى لم يحتج إلى إضمار فعل ، بل يتعيّن رفع المصدر على الخبريّة ، نحو : إنّما سيرك سير البريد ، بخلاف كونه خبرا عن اسم عين كما تقدّم.
وعلّل الرضيّ وجوب الحذف في هذه الصورة بأنّ المقصود من مثل هذا الحصر والتكرير وصف الشيء بدوام حصول الفعل منه ولزومه ووضع الفعل على الحدوث والتجدّد ، وإن كان المضارع يستعمل في بعض المواضع للدوام أيضا ، نحو : الله يقبض ويبسط ، وذلك أيضا لمشابهته لاسم الفاعل الّذي لا دلالة فيه وضعا على الزمان ، فلمّا كان المراد التنصيص على الدوام واللزوم ، لم يستعمل العامل أصلا ، لكونه إمّا فعلا وهو موضوع على التجدّد ، أو اسم فاعل ، وهو مع العمل كالفعل لمشابهته ، فصار العامل