إبليس ، والمعطي للنظرة هو الله تعالى ، ومشترط الاتّحاد يتأوّل هذا أيضا كما تأوّل الآية.
وحاصل ما ذكره المصنّف من الشرط ثلاثة : كونه مصدرا ، واتّحاد زمانه وزمان عامله واتّحاد فاعلهما ، وزاد بعضهم رابعا ، وهو أن يكون مصدرا قلبيّا كالرغبة في نحو : جئتك رغبة في إكرمك ، فلا يجوز جئتك قراءة للعلم ، لأنّ القراءة من أفعال اللسان ، قال الشاطبيّ : وهذا الشرط مستغنى عنه بشرط اتّحاد الزمان ، لأنّ أفعال الجوارح لا تجمع في الزمان مع الفعل المعلل ، انتهى. ولم يشترط ذلك الفارسيّ ، فأجاز جئتك ضرب زيد ، أي لتضرب زيدا.
وفاقد أحد الشروط المذكورة يجرّ بحرف التعليل ، وهو اللّام ونحوها ، ممّا يفهم معناها من من والباء وفي والكاف وكي وعلى ، ومن ثمّ إشارة إلى المكان الاعتباريّ كما تقدّم ، أي ومن أجل اعتبار الشروط المذكورة جئ باللام في نحو قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) [الرحمن / ١٠] ، لفقد المصدريّة ، فإنّ الأنام علّة للوضع وليس مصدرا فلذلك جرّ باللام.
ومثله قوله (ع) : إنّ امراة دخلت النار في هرّة (١). أي لأجل هرّة. وفي نحو تهيّأت إليوم للسفر غدا ، لفقد اتّحاد الوقت ، فإنّ وقت التهيئة غير وقت السفر ، ومثله قوله تعالى : (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍ) [الحجّ / ٢٢] ، أي لاجل الغمّ. وقول الشاعر [من الطويل] :
٢٣٥ ـ فجئت وقد نضّت لنوم ثيابها |
|
لدي السّتر إلا لبسة المتفضّل (٢) |
وفي نحو : جئتك لمجيئك إيّاي ، لفقد اتّحاد الفاعل ، فإنّ فاعل المجئ المتكلّم ، وفاعل المجئ المخاطب ، ومثله قوله تعالى (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) [النساء / ١٦٠] ، (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) [البقرة / ١٩٨] ، (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) [البقرة / ١٨٥] أي لهدايته إيّاكم ، وقوله [من الطويل] :
٢٣٦ ـ وإنّي لتعروني لذكراك هزّة |
|
كما انتقض العصفور بلّله القطر (٣) |
__________________
(١) تمام الحديث «ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الارض حتى ماتت» وروى بدل ربطتها حبستها. نهج الفصاحة ، مترجم أبو القاسم پاينده ، الطبعة السابعة عشرة ، منشورات منظمة جاويدان ، ١٣٦٢ ش ص ٣٢٧ رقم الحديث ١٥٥٩.
(٢) البيت لامري القيس من معلّقته. اللغة : نضّت. خلعت ، اللبسة : حالة الملابس ، المتفضل : اللابس ثوبا واحدا.
(٣) البيت لأبي صخر الهذلي. اللغة : تعروني : تصيبني وتترل بي ، الذكري : التذكّر والخطور بالبال ، الهزة : حركة واضطراب ، القطر : المطر.