تصوّره على تصوّر المحدود ، إلا أنّ المأخوذ في التعريف ليس نصب المحدود ، بل مطلق النصب ، ولو سلم فيكفي في الحكم التصور بوجه آخر غير الحدّ ، فليتأمّل.
ثمّ لا يخفى ما في هذا الحدّ أيضا من ارتكاب الاستخدام المنافيّ للحدّ في الإيضاح والتبيين ، فقد قيل : لا ينبغي أن يخترع في الحدود ألفاظ ، بل الواجب استعمال المشهورة منها فيها.
«ويشترط» في نصبه عند الجمهور «كونه مصدرا» ، لأنّه علّة للفعل ، والعلل أنّما تكون بالمصادر لا بالذوات ، وزعم يونس أنّ قوما من العرب يقولون : أمّا العبيد فذو عبيد ، بنصب العبيد الأوّل ، لكونه مفعولا له ، والمعنى مهما يذكر شخص لأجل العبيد فزيد ذو عبيد لا غير ، فالعبيد علّة للذكر ، وقبّح ذلك سيبويه ، وتأوّله على الحال ، كما في الجمّاء الغفير ، وإنّما أجازه على ضعفه إذا لم يرد به عبيدا بأعيانهم.
قال : فلو قلت : أمّا البصرة فلا بصرة لك ، وأمّا الحرث فلا حرث لك ، لم يجز لاختصاصهما ، وأوّله الزجّاج على تقدير أمّا تملك العبيد ، أي مهما يذكر شخص من أجله تملك العبيد فذو عبيد ، وهذا كلّه مراعاة للمصدر ، وجعله بعضهم مفعولا به أي مهما تذكر العبيد.
«متّحدا بعامله وقتا» بأن يكون وقوع الحدث في بعض زمان المصدر ، كجئتك طمعا ، وقعدت عن الحرب جبنا ، أو يكون أوّل زمان الحدث آخر زمان المصدر ، نحو : جئتك خوفا من فرارك أو بالعكس ، نحو : جئتك إصلاحا لك ، وهذا الشرط اشترطه الأعلم وجماعة من المتأخّرين ، ولم يشترطه سيبويه ولا أحد من المتقدّمين.
«وفاعلا» بأن يكون فاعله وفاعل عامله واحدا كقوله تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) [البقرة / ١٩] ، فالحذر مفعول له ، وفاعله وفاعل الجعل واحد ، وهم الكفّار ، وهذا الشرط رأي المتأخّرين ، ولم يشترطه سيبويه ولا أحد من المتقدمّين أيضا ، كما قاله في الهمع ، وهو مرتضى الرضيّ ، قال : وهو الّذي يقوّى في ظنّي ، وإن كان الأغلب المشاركة ، وعليه فيكون انتصاب خوفا وطمعا من قوله تعالى : (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) [الرعد / ١٢] على المفعول له من غير حاجة إلى تكلّف تقدير إرادة خوفكم وطمعكم ، أو إلى جعل الخوف والطمع بمعنى الإخافة والإطماع ، أو جعل انتصابهما على الحالية لا على المفعول له.
واستدلّ الرضيّ على عدم اشتراط ذلك بقول أمير المومنين عليه السّلام في نهج البلاغة : فأعطاه الله النّظرة استحقاقا للسّخطة واستتماما للبلية (١). والمستحقّ للسخطه
__________________
(١) نهج البلاغه ترجمة شهيدي ، ص ٥.