الثاني : الصالح للانتصاب على الظرفية من أسماء المكان نوعان : أحدهما : المبهم وقد مرّ تفصيله. الثاني : ما اتّحدث مادته ومادة عامله ، ونعني بالمادّة الحروف الأصليّة ، ولا بدّ مع ذلك من موافقته في المعنى كقوله تعالى : (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ) [الجن / ٩] ، وشذّ قولهم : هو مني مقعد القابلة ومزجر الكلب ومناط الثريا ، إن قدّر عامله مستقرّا أو نحوه ، فإن قدّر قعد في المقعد وزجر في المزجر وناط في المناط لم يكن ثمّ شذوذ.
الثالث : جاءت ظروف من غير أسماء الزمان والمكان كقولهم : أحقا أنّك ذاهب ، وجهد رأيي أنّك ذاهب ، والأصل : أفي حقّ وفي جهد رأيي ، وقد نطقوا بهذا الأصل وقال [من الوافر] :
٢٤٣ ـ أفي حقّ مواساتي أخاكم |
|
... (١) |
وذلك شاذّ لا يقاس عليه.
و «أمّا نحو دخلت الدار» ممّا وقع فيه اسم المكان غير المبهم منصوبا بعد دخلت فمفعول به على القول «الأصحّ» لا مفعول فيه ، فلا نقض به ، وكونه مفعولا به إمّا على الاتّساع بإجراء القاصر مجرى المعتدّي بنفسه من حيث إسقاط الواسطة ، ونصبه هو مذهب الفارسيّ وطائفة ، واختاره ابن مالك وعزاه لسيبويه ، أو على الأصل لا على الاتّساع نظرا إلى أنّ دخل متعدّ ، وهو مذهب الأخفش ، وعزاه الرضيّ إلى الجرميّ ، وعليه ينبغي حمل كلام المصنّف ، لأنّه يسمّى المنصوب على الاتّساع بإسقاط الجارّ المنصوب بنزع الخافض ، ويجعله قسيما للمفعول به ، لا قسما منه كما يدلّ عليه تقسيمه. وفي المسألة قول ثالث ، وهو أنّ النصب في ذلك على الظرفية تشبيها له بالمبهم ، وهو مذهب الشلوبين ، وعزاه لسيبويه ، وبعضهم للجمهور ، وبعضهم للمحقّقين.
تنبيه : قال الرضيّ : الّذي أرى أنّ جميع الظروف متوسّع فيها ، فقولك : خرجت يوم الجمعة كان في الأصل : خرجت في يوم الجمعة ، كان مع الجارّ مفعولا به بسبب حرف الجرّ ، ثمّ صار مفعولا به من غير واسطة حرف في اللفظ والمعنى على ما كان ، وكذا المفعول له فهما مثل ذنبا ، في قولك : استغفرت الله دنبا ، إلا أنّ حذف حرفي الجرّ ، أعني في واللام ، صار قياسا في البابين ، كما كان حذف حرف الجرّ قياسيّا مع أن وأنّ ، وليس بقياس في غير المواضع الثلاثة ، انتهى.
__________________
(١) تمام البيت «بمإلى ثمّ يظلمني السريس» ، وهو لأبي زبيد الطائي ، اللغة : السريس : هو العنين من الرجال. والعنين : الّذي لا يأتي النساء.