وأجاب المراديّ بذلك ، وبأنّه أراد الإبهام ليرتدع من يرغب فيهنّ لجمالهنّ ومالهنّ ، ومن يرغب عنهنّ لدمامتهنّ وفقرهنّ ، واستحسنه بعضهم ، قال : لأنّ من شرط أمن اللبس ، يقول : إذا خيف اللبس ، لم يجز الحذف ، وعند إرادة الإبهام لا يخاف اللبس ، فيجوز الحذف لأجلها ، انتهى.
وممّا يحتملها قول الشاعر [من الطويل] :
٢٤٤ ـ ويرغب أن يبني المعالى خالد |
|
ويرغب أن يرضى صنيع الألائم (١) |
أنشده ابن السّيّد ، فإن قدّر في أولا وعن ثانيا فمدح ، وإن عكس فذمّ ، فلا يجوز أن يقدّر فيهما معا في أو عن للتناقض.
الثاني : ما ذهب إليه المصنّف من كون محلّ أن وأنّ وصلتهما بعد نزع الخافض نصب هو مذهب الخليل وأكثر النّحويّين ، حملا على الغالب فيما ظهر فيه الإعراب بما نزع منه الخافض ، وجوّز سيبويه أن يكون المحلّ جرّا ، فقال : بعد ما حكى قول الخليل : ولو قال إنسان إنّه جرّ لكان قولا قويّا ، وله نظائر نحو قولهم : لاه أبوك.
ومن صنع سيبويه هذا نشأ قول ثالث وهو أنّه محتمل للأمرين ، وأمّا نقل جماعة منهم ابن مالك وصاحب البسيط أنّ الخليل يرى أنّ الموضع جرّ ، وأنّ سيبويه يرى أنّه نصب فسهو ، كما قاله ابن هشام في المغني ، ورجّح الرضيّ كونه نصبا بضعف حرف الجرّ عن أن يعمل مضمرا ، ولهذا شذّ نحو : الله لأفعلنّ ونحو قول روبة خير عافاك الله ، وقوله [من الطويل] :
٢٤٥ ـ ... |
|
أشارت كليب بالأكفّ الأصابع (٢) |
وقال ابن هشام : وممّا يشهد لمدّعي الجرّ : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) [الجن / ١٨] ، (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون / ٥٢] ، أصله لا تدعوا مع الله أحدا ، لأنّ المساجد لله ، وفاتّقون ، لأنّ هذه أمّتكم أمّة واحدة ، ولا يجوز تقديم منصوب الفعل عليه ، إذا كان أن وصلتها ، لا تقول إنّك فاضل عرفت ، وقوله [من الطويل] :
٢٤٦ ـ وما زرت ليلى أن تكون حبيبة |
|
إلى ولا دين بها أنا طالبه (٣) |
__________________
(١) لم يسمّ قائله. اللغة : المعإلى جمع معلاة وهي كسب الشرف ، الألائم : جمع ألأم : الدنيّ الشحيح.
(٢) البيت للفرزدق وصدره. «إذا قيل : أيّ الناس شرّ قبيلة» ، اللغة : الأكف : جمع الكفّ ، أي : الراحة مع الأصابع. الأصابع : جمع الإصبع ، أي : أحد أطراف الكفّ أو القدم.
(٣) هو من قصيده للفرزدق. اللغة : الدين : القرض.