الثاني : اختلف في المنصوب بنصحت وشكرت في قولنا : نصحته وشكرته ، هل هو منصوب بترع الخافض ، أو على المفعول به على الأصل ، وهذا الخلاف مبنيّ على الخلاف في أنّ هذين الفعلين هل الأصل فيهما التعدّي بالحرف ، وكثر فيه الأصل والفرع ، كما في باب اختار ، أم هما من المتعدّي تارة بنفسه وتارة بالحرف ، وليس أحد الاستعمالين مستندرا فيه ، فهو قسم برأسه ، يقال له متعدّ بوجهين ومتعدّ ولازم ، فعلى الأوّل من أنّ الأصل فيهما التقدير بالحرف يكون من المنصوب بترع الخافض ، وعلى الثاني يكون مفعولا به على الأصل ، لأنّ الفعل ليس لازما.
وذهب الرضيّ والسعد التفتازانيّ إلى أنّ الأصل في هذا القسم أن يكون متعدّيا بنفسه ، وحرف الجرّ زائد. قالا : لأنّ الحرف مع الكلمة كهو مع عدمه والتعدّي واللزوم بحسب المعنى لكن لقائل أن يقول : إذا كان اتّحاد المعنى مع تساوي الاستعمإلين يوجب اتحاد الوصف من التعدّي واللزوم ، فليس كونه متعدّيا والحرف زائد بأولى من كونه لازما ، والحرف محذوف توسّعا ، بل قد يترجّح هذا بأنّ دعوى الحذف أولى من دعوى الزيادة ، ومن هنا يظهر ترجيح قول الجمهور في التنبيه الأوّل.
الثالث : ذهب الأخفش الأصغر (١) إلى أنّ حذف الجارّ مع غير أن وأنّ قياسيّ أيضا إذا تعيّن الجارّ ، تقول : بريت القلم السكين ، أي بالسكين ، فحذف الجارّ لتعيّنه ، كذا نقل عنه ابن مالك في التسهيل ، والرضيّ في شرح حاجبية وغيرهما. وقال أبو حيّان : والّذي أورده أصحابنا عن الأخفش إنّما هو في المعتدّي لاثنين أحدهما بحرف الجرّ ، فأجاز : بريت القلم السكين أي بالسكين قياسا على ما سمع من قولهم : أمرتك الخير أي بالخير ، انتهى.
فإن لم يتعيّن الحرف لم يجز نحو : رغبت الأمر ، وكذا إن لم يتعيّن موضع الحرف ، فلا يقال : اخترت إخوتك الزيدين ، إذ لا يدرى هل المختار من الزيدين أو من الإخوة ، وفي شرح المقرّب لابن العصفور أنّ أبا الحسين بن الطراوة ذهب إلى مثل ذلك.
__________________
(١) هو أبو الحسن على بن سليمان أخذ عن المبرّد وثعلب ، له مصنفات منها ، كتاب «الثنية والجمع» توفّي ببغداد سنة ٣١٥ ه ق ، نشأة النحو. ص ١٠٤.