سيبويه وجماعة إلى أنّه منصوب على الظرفيّة تشبيها لها بغير المختصّ من أسماء المكان ودعوى الرضيّ الاتّفاق على ذلك باطلة.
تنبيهات : الأوّل : من السماعيّ المنصوب الثاني من باب اختار بتقدير حرف الجرّ ، والحدّ غير شامل له كما قدّمنا ، ونعني بباب اختار كلّ فعل متعدّ إلى اثنين ، أحدهما بنفسه ، والأخر بالجارّ ، ك اختار نحو قوله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً) [الأعراف / ١٥٥] ، أي من قوله ، وأمر نحو قومه : أمرتك الخير فافعل ما أمرت له ، وقد جمع فيه بين الاستعمالين ، ونهي نحو نهيت زيدا القبيح ، أي عن القبيح. واستغفر كقوله [من البسيط] :
٢٤٩ ـ أستغفر الله ذنبا لست محصيه |
|
ربّ العباد إليه الوجه والعمل (١) |
وقال ابن الطراوة والسهيليّ : إنّ الوجه في استغفر أن يتعدّي إلى الثاني بنفسه ، وتعديته بمن أنّما هو لتضمّنه معنى استنبت ، ووافقهما ابن هشام في المغني.
وكني نحو كنيته أبا عبد الله ، أي بأبي عبد الله. وسمّي كقوله [من الطويل] :
٢٥٠ ـ سمّيته يحيى ليحيا فلم يكن |
|
لأمر قضاه الله في النّاس من بدّ (٢) |
أي بيحيي ، ودعا بمعنى سمّي كقوله [من الطويل] :
٢٥١ ـ دعتني أخاها أمّ عمرو ولم أكن |
|
أخاها ولم أرضع لها بلبان (٣) |
أي بأخيها. وصدق بالتخفيف كقوله تعالى : (صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) [آل عمران / ١٥٢] ، أي في وعده. وزوّج كقوله تعالى : (زَوَّجْناكَها) [الأحزاب / ٣٧] ، أي بها ، (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) [الدخان / ٥٤] ، وقد جمع بعض المغاربة هذه الأفعال ، فقال [من الطويل] :
٢٥٢ ـ أشع حذف حرف الجرّ وانصب محلّه |
|
لدي اختار استغفار صدق إذ دعا |
وسمّ وكنّ مرّة زوّجه زينبا |
|
حكاه أبو حيّان للخير قد دعا |
وزاد بعضهم كال ووزن ، تقول : كلت زيدا طعامه ، وكلت لزيد طعامه ، ووزنت زيدا ماله ، ووزنت لزيد ماله ، وزيد غير ذلك ، وفي كلام بعضهم ما يوهم أنّ هذه الأفعال كلّها تتعدّى إلى الثاني تارة بأنفسها وتارة بحرف الجرّ ، فلا يكون حينئذ من المنصوب بترع الخافض ، والأوّل هو المشهور الّذي عليه الجمهور ، بل ينبغي حمل ما أوهم خلافه عليه كما فعل بعض المحقّقين.
__________________
(١) لم يسّم قائله. اللغة : المحصي : اسم الفاعل من الإحصاء بمعنى الحفظ والعدّ.
(٢) هذا البيت لم ينسب إلى قائل معين. اللغة : ليحيى : أراد لتطول به الحياة ، لأمر قضاه الله : أراد به الموت.
(٣) هذا الشاهد من كلام عبد الرحمن بن الحكم : اللغة : اللّبان : الصدر ، وقيل : وسطه ، وقيل ما بين الثديين.