إلى فيّ ، فحذف حرف الجرّ ، فانتصب ما كان مجرورا به على نزع الخافض ، وردّه المبرّد بأنّ تقديره لا يعقل ، إذ الإنسان لا يتكلّم من في غيره ، وأجاب أبو على بأنّه أنّما يقال : ذلك في معنى كلّمني وكلّمته ، فهو من المفاعلة ، والأوّل هو مذهب سيبويه ، وجرى عليه ابن مالك في التسهيل ، قال : وجعل فاه حالا من كلمتّه فاه إلى فيّ أولى من أن يكون أصله جاعلا فاه إلى فيّ ، أو من فيه إلى فيّ ، انتهى.
قال شيخ شيوخنا الحرفوشيّ ، برّد الله مضجعه ، أنّ الأصل في هذه الأمثلة أن يكون المنصوب منها مرفوعا على الابتداء إمّا على اعتبار مضاف كما في بعته يدا بيد ، أي ذو يد بذي يد ، أو بدونه ، كما في غيره ، ثمّ لمّا كان فوه إلى فيّ وقبضتهم بقبضتهم وذو يد بذي يد ونحوها في معنى متشافهين وكافّة ومتقابضين انمحي عنها معنى الكلام والجملة حين قامت مقام المفردات وأدّت معانيها أعرب ما قبل الإعراب منها ، وهو الجزء الأوّل إعراب المفرد الّذي قامت مقامه ، فافهمه ، انتهى.
قال في التصريح : وهذا المثال لا يقاس عليه ، لأنّ فيه إيقاع جامد موقع مشتقّ ، ومعرفة موقع النكرة ، ومركّب موقع مفرد ، والوارد منه قليل ، انتهى.
الثالث : أن تدلّ على ترتيب ، نحو : ادخلوا رجلا رجلا أي مترتّبين ، على هذا النمط ، وعلّمته بابا بابا أي مفصّلا ، قال الرضيّ : وضابط هذا أن يأتي التفصيل بعد ذكر المجموع بجزئيه مكرّرا ، انتهى.
واختلف في نصب الجزء الثاني ، فذهب الزجّاج إلى أنّه توكيد ، والحال هو الأوّل ، وردّ بأنّه لو كان كذلك لأدّي ما أدّي الأوّل ، وذهب ابن جنيّ إلى أنّه صفة للأوّل ، يريد أنّه على حذف مضاف ، فقدّره بعضهم بقبل ، أي بابا قبل باب ، وهذا لا يشمل الباب الآخر ، وقدّره بعضهم ببعد ، أي بابا بعد باب ، وهذا لا يشمل الباب الأوّل ، والمقصود دخول الأبواب كلّها.
قال الدمامينيّ : وقدر يقدّر بمفارق ، أي بابا مفارق باب بمعنى أنّه منفصل عنه غير مختلط به ، بل كلّ باب على حدّه ، وعلى هذا لا يخرج شيء من الابواب ، وذهب الفارسيّ إلى أنّه منصوب بالأوّل ، لأنّه لمّا وقع موقع الحال جاز أن يعمل. قال أبو حيّان :
والمختار أنّه وما قبله منصوبان بالعامل الأوّل ، لأنّ مجموعهما هم الحال ، ونظيره في الخبر هذا حلو حامض ، قال : ولو ذهب ذاهب إلى أنّ النصب إنّما هو بالعطف على تقدير حذف الفاء أي رجلا فرجلا لكان وجها حسنا عاريا عن التكلّف ، لأنّ المعنى أدخلوا رجلا بعد رجل.