كان» صاحبها «مجرورا» ، سواء كان جرّه بالإضافة ، نحو : أعجبني وجه هند مسفرة ، وهذا شارب السويق (١) ملتوتا ، فلا يجوز تقديم الحال على صاحبها واقعة بعد المضاف ، لئلّا يلزم الفصل بين المضاف والمضاف إليه ، ولا قبله ، لأنّ نسبة المضاف إليه (٢) من المضاف كنسبة الصلة من الموصول ، فكما لا يتقدّم ما يتعلّق بالصلة على الموصول ، كذلك لا يتقدّم ما يتعلّق بالمضاف إليه على المضاف ، قاله بدر الدين بن مالك.
وحكى والده الاتّفاق على ذلك في شرح الكافية ، إلا أنّه فصّل في شرح التسهيل فقال : إن كانت الإضافة غير محضة جاز التقديم على المضاف إليه ، نحو : هذا شارب ملتوتا السويق ، بالخفض ، لأنّ الإضافة فيه في نيّة الانفصال ، فلا يتعدّ بها ، وإن كانت محضة لم يجز بإجماع ، ونوزع في ذلك بما يطول إيراده.
أو كان جرّه بالحرف ، ويشترط فيه كونه غير زائد ، ظاهرا كان صاحبها أو مضمرا ، اسما كانت الحال أو فعلا ، كمررت بهند ضاحكة ، ومررت بك ضاحكة ، ومررت بهند تضحك ، فلا يجوز تقديم الحال في شيء من ذلك حملا على الحال المجرور بالإضافة ، هذا قول الجمهور ، وقضية إطلاق المصنّف ، وخالف الفارسيّ وابن كيسان ، فأجازوا التقديم مطلقا. قال ابن مالك : وهو الصحيح لوروده في الفصيح ، قال تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) [السّباء / ٢٨] ، وقول الشاعر [من الطويل] :
٢٥٨ ـ إذا المرء أعيته المروءة ناشيءا |
|
فمطلبها كهلا عليه شديد (٣) |
وقال الآخر [من الطويل] :
٢٥٩ ـ تسلّيت طرّا عنكم بعد بينكم |
|
بذكراكم حتى كأنّكم عندي (٤) |
وأجيب بأنّ الشعر ضرورة ، وكافّة في الأية حال من الكاف ، التاء فيه للمبالغة لا للتأنيث مع أنّه يلزم على القول بحإليتها من الناس تقديم الحال المحصورة بإلا ، وتعدّي أرسل باللام ، والأوّل ممتنع ، والثاني خلاف الأكثر ، ودفع الأوّل بأنّ تقديم المحصور بإلا ليس ممتنعا عند الجميع كما تقدّم ، والثاني بأنّ مخالفة الأكثر لا تضرّ ، فإنّ تعدّي أرسل باللام كثير واقع في التتريل كقوله تعالى : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) [النساء / ٧٩].
وفصّل الكوفيّون ، فأجازوا التقديم فيما إذا كان صاحب الحال المجرور مضمرا كمررت ضاحكة بك ، أو كان الحال فعلا ، نحو : مررت تضحك بهند ، ومنعوه إذا لم
__________________
(١) السويق : طعام يتّخذ من مدقوق الحنطة والشعير.
(٢) سقطت هذه الجملة في «ط».
(٣) البيت للمخبل السعدى. اللغة : أعيته : أتعبته ، متعدي عيي بالأمر إذا عجز عنه ، المروءة : آداب نفسانيّة تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات ، والمطلب : المصدر بمعنى الطلب.
(٤) لم ينسب البيت إلى قائل معين. اللغة : طرا : جميعا ، البين : الفرقة ، الافتراق.