بالدلالة على ذاته من غير احتياج إلى أمر آخر إرشاد إلى التبرّك به ، وتوصّل إلى ندائه بياء المفيدة لهضم نفسه ، كما ذكرنا ، ودفع للتفخيم المستفاد من الخطاب.
فإن قلت : قصده من قوله أحسن كلمة إلى آخره ، بداية كتابه بالحمد ليحصل له الفضل الوارد في ذلك ، وهذا ليس بحمد فضلا عن أن يكون حمدا مبدوّا به ، بل هو إخبار عن حكم من أحكام الحمد؟ قلت : حمد الله تعالى هو الثناء عليه بصيغة الحمد أو غيره ، فالثناء على حمده ثناء عليه ، وسلوكه هذه الطريقة دون غيرها ممّا اشتهر في المؤلفات إشارة إلى أنّ طرق التعبير فى هذا المقام غير منحصرة ، وعمل بمقتضى لكلّ جديد لذّة.
قال النيسابوريّ (١) في تفسيره : أوّل ما بلغت الرّوح إلى سرّة آدم عطس ، فقال : الحمد لله ربّ العالمين.
وآخر دعوى أهل الجنّة : (أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [يونس / ١٠] ، ففاتحة العالم مبنيّة على الحمد ، وخاتمته على الحمد ، فاجهد أن يكون أوّل أعمالك وآخرها مقرونا بكلمة الحمد. فكأنّ المصنّف (ره) لاحظ هذا المعنى ، حيث عبّر بالابتداء والاختتام.
«على جزيل» متعلّق بالحمد ، أى على عظيم «الإنعام» ، وهو إيصال النّعمة ، وعرّفت النعمة لأنّها المنفعة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير ، وإنّما لم يتعرّض للمنعم به إشعارا بقصور العبارة عن الإحاطة به ، ولئلا يتوهّم اختصاصه ببعض دون آخر ، ولتذهب نفس السامع كلّ مذهب ممكن.
«والصلاة» بمعنى الرّحمة على ما هو المشهور من أنّها من الله تعإلى مجاز ، إذ هي حقيقة بمعنى الدعاء من الله وغيره ، وقيل : هي منه تعالى الرحمة ، ومن الملائكة الاستغفار ، ومن الآدميّن التضرّع ، والأوّل أقوى للزوم الثاني الاشتراك ، والمجاز خير منه.
«والسّلام» اسم من التسليم ، وهو التحيّة ، وجمع بينهما عملا بظاهر قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب / ٢٣] ، وغاية السؤال بهما عائدة على السائل ، لأنّ الله تعالى قد أنعم على نبيه (ص) من المترلة والزّلفى (٢) ما لا يوثّر فيه صلوة مصلّ ولا سلام مسلّم ، كما نطقت به الأخبار ، وصرّحت (٣) به العلماء
__________________
(١) النيسابوريّ نظام الدين حسن بن محمد القمىّ النيسابوريّ المتوفّى سنة ٨٥٠ ه ، أصله من قم ومنشأه في نيشابور ، له كتب «غرائب القرآن ورغائب الفرقان» يعرف بتفسير النيسابوري و «شرح الشافية» في الصرف. الأعلام للزركلي ٢ / ٢٣٤.
(٢) الزلفى : القربى والمترلة.
(٣) كلمة العلماء فاعل لفعل صرّحت والعلماء جمع تكسير لمذكر ، والفعل إذا أسند إلى جمع غير سلامة لمذكّر جاز إثبات التاء وحذفها ، يقول ابن مالك :