في غير القرآن يأكل أخاه ، ونزعنا ما فيهم من غلّ إخوانا ، لكان صحيحا ، فلو اقتصر عليه لكفاه.
«أو كان المضاف عاملا في الحال» كأن يكون مصدرا أو وصفا ، «نحو : أعجبني ذهابك مسرعا» ، فمسرعا حال من الكاف المضاف إليها ذهاب ، وذهاب مصدر عامل في الحال ، ونحو : هذا شارب السويق ملتوتا اليوم أو غدا ، فملتوتا حال من السويق المضاف إليه شارب ، وشارب اسم فاعل عامل في الحال ، لأنّه بمعنى الحال أو الاستقبال ، واعتماده على المخبر عنه.
وإنّما اشترطوا لمجئ الحال من المضاف إليه أحد هذه الشروط محافظة على ما قرّروه من أنّ العامل في الحال يجب أن يكون هو العامل في صاحبها ، وصاحبها إذا كان مضافا إليه يكون معمولا للمضاف ، والمضاف لا يعمل في الحال إذا لم يشتبه الفعل ، فإذا كان المضاف مصدرا أو صفة ، فالقاعدة موفاة ، لأنّ الحال وصاحبها معمولان لشيء واحد.
وإذا كان المضاف صالحا للسقوط ، وقيام المضاف إليه مقامه ، كان المضاف إليه كأنّه معمول العامل المضاف الّذي هو عامل الحال ، وعلى هذا فالواجب اتّحاد العامل تحقيقا أو تقديرا ، كما يستفاد من المغني بخلاف ما إذا لم يكن كذلك ، فإنّه لا سبيل إلى جعله صاحب حال ، إذ لو قلت : جاء غلام هند ضاحكة أو نحوه لم يجز.
قال ابن مالك وابنه بلا خلاف ، وانتقد بأنّ مذهب الفارسيّ جواز ذلك ، نقله عنه غير واحد من الأئمة ، وقال العلامة أثير الدين أبو حيّان : والّذي نختاره أنّ المجرور بالإضافة إذا لم يكن في موضع رفع ولا نصب لا يجوز ورود الحال منه ، سواء صحّ قيام المضاف إليه مقامه ، أو لم يصحّ ، لما تقرّر من أنّه لا بدّ من اتّحاد الحال وصاحبها في العامل.
وأمّا ميتا من قوله تعالى : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) [الحجرات / ١٢] ، فيحتمل أن يكون حالا من لحم ، وإخوانا من قوله تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً) [الحجرات / ٤٧] ، يحتمل أن يكون منصوبا على المدح ، وحنيفا يحتمل أن يكون حالا من الملّة (١) ، وذكر بأنّ الملّة والدين بمعنى ، أو من الضمير في اتبع.
قال : ومثل هذه القاعدة لا يثبت بمثال أو بمثالين مع الاحتمال ، إنّما يثبت هذا باستقراء جزئيات كثيرة حتى يحصل من ذلك الاستقراء قانون كليّ يغلب على الظّن أنّ الحكم ، منوط به ، هذا معنى ما قاله.
__________________
(١) حالا من الله «س».