ومحصّل التقسيم أنّ التمييز عن الذات إمّا أن يكون عن عدد أولا ، والعدد إمّا جنس أو لا ، والجنس إمّا أن يقصد به الأنواع أولا ، وغير العدد إمّا جنس أو لا ، والجنس إمّا أن يقصد به العدد أو لا ، هذا حاصل تقسيم الرضي عليه من الله الرضا.
«والثاني» : أي «التمييز» الرافع للإبهام المستقرّ «عن نسبة» يصدر عن نسبة كائنة في جملة أو نحوها ، وهو إمّا اسم الفاعل مع مرفوعه كزيد متفقّئ شحما (١) أو اسم المفعول معه نحو : الأرض مفجّرة عيونا أو أفعل التفضيل معه ، نحو : أنا أكثر مالا وخير مستقّرا أو الصفة المشبهة معه ، زيد طيب أبا أو المصدر ، نحو : أعجبني طيبه أبا ، وكذا كلّ ما فيه معنى الفعل ، نحو : حسبك بزيد رجلا ، وسرعان ذا إهالة وويلم أيام الشباب معيشة ، ويالزيد فارسا ، أو في إضافة ، نحو : أعجبني طيبه أبا ، وهو داخل في شبه الجملة ، فلا حاجة إلى إفراده بالذكر ، نحو : عندي «رطل زيتا» مثال للتمييز عن المقدار والرّطل بالفتح والكسر ، وهو أفصح ، اثنتا عشرة أوقية والأوقية أستار وثلثاه ، والأستار أربعة مثاقيل ونصف ، والمثال درهم وثلاثة أسباع درهم ، والدرهم سنة دوانيق ، والدانق قيراطان ، والقيراط طسوجان ، والطسوج حبّتان ، كذا في القاموس ، وجعله الفاضل الهنديّ مثالا للمكيل ، وسهاه بعضهم ، وليس بسهو ، فقد قيل في المغرب الرطل بالفتح والكسر ما الّذي يوزن به أو يكال به ، انتهى.
«وخاتم فضة» مثال للتمييز عن غير المقدار («وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) [مريم / ٤]» مثال للتمييز عن النسبة في جملة. ولله درّه فارسا مثال للتمييز في نحو جملة ، لأنّ فيه معنى الفعل ، أي عجبنا منه فارسا ، وفي الإضافة أيضا كما هو ظاهر ، ولذلك لم يأت بها بمثال ، هذا وإنّما يصلح مثالا لذلك إن كان مرجع الضمير معيّنا معلوما.
أمّا إذا كان مجهولا كان من مميّز الذات لا من مميّز النسبة ، لأنّ الضمير مبهم فيحتاج إلى ما يميّزه ، والدرّ بفتح الدّال وتشديد الرّاء المهملتين الكثرة ، في الأصل مصدر قولهم : درّ اللبن يدرّ بالكسر والضمّ درّا ، ويسمّي اللبن نفسه درّا أيضا ، وقيل : المراد في مثله الخير لاعتقادهم أنّ اللبن مصدر لكلّ خير يقرونه الضيف ، ويسقونه الخيل.
قال ابن السيدة : أصله أنّ رجلا رأي أخر يحلب نافة ليلا ، فتعجّب من كثره لبنها ، فقال لله درّك ، وقيل : معناه لله درّ اللبن الّذي رضعته من أمّك ، وأكثر ما يمثّل به النحاة مضافا لضمير الغائب ، وقد يضاف للمخاطب ولضمير المتكلّم. وللظاهر أيضا كما صرّح به الرضيّ ، وإنّما أضافوه إلى الله تعالى قصدا للتعجّب منه ، لأنّ العرب إذا أعظموا شيئا غاية الإعظام ، أضافوه إلى الله تعالى إيذانا بأنّ هذا الشيء لا يقدر على
__________________
(١) تفقّأ فلان شحما : امتلأ حتى تشقّق جلده.