قال ابن مالك : وقد أغفلها أكثر النّحويّين ، وهي ثابتة في الفصيح بالنقل الصحيح ، ولا يصحّ تقدير غير في شواهد إلا بتكلّف قال أبو حيّان : لا أعلم أحدا ذهب إلى هذه الإضافة غيره ، وما استدلّ به مؤوّل ، انتهى.
وما قاله أوّلا مردود ، فقد قال بها عبد القاهر والزمخشريّ ، وحكاه عنهما ابن أياز ، وصرّح بها ابن الحاجب في كافيّته ، ولم يذكر المصنّف قلّتها ، وذكرها ابن الحاجب وابن مالك ، وعلّله بعضهم بأنّه لم تكثر إضافة الشيء إلى الظرف ، قال بعض المحقّقين : وفيه بحث ، لأنّ هذا إنّما يتمّ لو أريد بالظرف الظرف الحقيقيّ ، أمّا لو أريد مدخول في فلا ، إذ إضافة الألوان إلى محالّها أكثر من أن تحصي ، فبياض زيد بمعنى بياض في زيد. والظاهر أنّ المراد بالظرف مدخول في ، إذ نظر الكتاب يبنغي أن يكون بمعنى النظر في الكتاب ، والفرق بينه وبين ضرب اليوم تحكّم ، انتهى.
قال بعضهم : وقد يجاب بحمل القلّة على الإضافيّة ، فإنّ تقدير الإضافة بفي قليل بالنسبة إلى تقديرها باللام ومن ، كما صرّح به ابن مالك وغيره أو كان المضاف إليه غيرهما أي غير جنس المضاف وظرفه بأن كان مباينا للمضاف أو أخصّ منه مطلقا ، فبمعنى اللام كغلام زيد ويوم الأحد وشجر الأراك وعلم الفقه ، فإنّ بين الغلام وزيد تباينا ، وبين اليوم والأحد عموما وخصوصا مطلقا ، فإنّ اليوم قد يكون أحدا ، وقد لا يكون ، والأحد لا يكون إلا يوما ، وكذا بين العلم والفقه ، فإنّ العلم قد يكون فقها وقد لا يكون ، والفقه لا يكون إلا علما ، فأمّا إذا كان المضاف أخصّ من المضاف إليه مطلقا كأحد اليوم أو مساويا له كليث أسد فالإضافة ممتنعة.
تنبيهان : الأوّل : كون الإضافة في نحو يوم الأحد وعلم الفقه وشجر الأراك بمعنى اللام هو ما صرّح به أئمة العربيّة ، قال بعض المحقّقين : ولا يظهر ما دعاهم إليه ، والأنسب بالمعنى أنّ الإضافة في ذلك بيانيّة ، وإظهار من فيها خال عن التكلّف ، قال بعضهم : ويمكن أن يقال إنّ الحامل لهم على ذلك أنّهم اشترطوا في الإضافة بمعنى من كون المضاف إليه جنس المضاف وجائز الحمل عليه ، وهنا ليس كذلك ، إذ ليس كلّ واحد من الأحد والفقه والأراك جنسا لما أضيف إليه ، ولا يحمل عليه ، إذ لا يقال : اليوم الأحد والعلم الفقه والشجر الأراك ، وإنّما يقال : الأحد يوم والفقه علم والأراك شجر ، انتهى.
الثاني : لم يبيّن المصنّف تقدير الحرف في الإضافة اللفظيّة مع اقتضاء حدّه للمضاف إليه التقدير فيها أيضا ، والمشهور أنّ التقدير أنّما هو في الإضافة المعنويّة خاصّة ، وذهب بعضهم إلى أنّ الاضافة اللفظيّة تقدّر بمعنى اللام لظهورها في نحو : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ)