تنبيهات : الأوّل : قال ابن الحاجب : لا يمكن جمع المستثنى المتّصل والمنقطع في حدّ واحد ، لأنّ ماهيتهما مختلفان ، ولا يمكن جمع شيئين مختلفي الماهيّة في حدود ذلك ، لأنّ الحدّ متبيّن للماهية بذكر جميع أجزائها مطابقة إمّا تضمّنا أو تصريحا ، والمختلفان في الماهية لا يتساويان في جميع الأجزاء حتى يجتمعا في حدّ واحد ، والدليل على اختلاف ماهيتها أنّ أحدهما مخرج من متعدّد ، والاخر غير مخرج ، بلي يمكن جمعهما في حدّ واحد باعتبار اللفظ ، لأنّ مختلفي الماهية لا يمتنع اشتراكهما في اللفظ ، فيقال : المستثنى هو المذكور بعد إلا وأخواتها ، انتهى.
قال الرضيّ : ولقائل أن يمنع اختلافها في الماهية قوله ، لأنّ أحدهما مخرج من متعدّد ، والآخر غير مخرج. قلنا : لا نسلم أنّ كون المتّصل مخرجا من متعدّد من أجزاء ماهيته ، بل حقيقة المستثنى متّصلا كان أو منقطعا هو المذكور بعد إلا وأخواتها مخالفا لما قبلها نفيا وإثباتا ، ثمّ نقول : كون المتّصل داخلا في متعدّد لفظا أو تقديرا من شرطه لا من تمام ماهيته ، فعلى هذا المنقطع داخل في هذا الحدّ كما في : جاءني القوم إلا حمارا ، لمخالفة القوم الحمار في المجئ ، انتهى. وعلى هذا جرى المصنّف في تعريفه المذكور.
الثاني : يرد على الاستثناء المتّصل إشكال مشهور ، وهو لزوم التناقض في المستثنى ، وذلك أنّك إذا قلت مثلا : قام القوم إلا زيدا ، فقد أثبت القيام للقوم الّذين من جملتهم زيد ، وقولك : إلا زيدا نفي القوم إلا زيدا ، فنفي عنه القيام الّذي ثبت له في ضمن القوم ، فيلزم التناقض ، وكذا قولك : أضرب القوم إلا زيدا ، يلزم أن يكون زيد مطلوبا ضربه وغير مطلوب ، وهذا لا يتصوّر في كلام العقلاء. وقد ورد في الكتاب العزيز من الاستثناء شيء كثير ، كقوله تعالى : (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) [العنكبوت / ١٤] ، فيكون المعنى لبث الخمسين في جملة الألف ، ولم يلبث تلك الخمسين ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا. واختلفوا في التقصي عن هذا الإشكال ، فقال بعضهم : يختار أنّ المستثنى غير داخل في المستثنى منه ، فالقوم في قولك : جاء القوم ، عامّ مخصوص ، أي أإنّ المتكلّم أراد بالقوم جماعة ليس فيهم زيد وقوله : إلا زيدا قرينة تدلّ السامع على مراد المتكلّم ، وأنّه أراد بالقوم غير زيد ، انتهى.
وكان المصنّف ارتضى هذا الجواب حيث قال في الحدّ : هو المذكور بعد إلا وأخواتها للدلالة على عدم اتّصافه بما نسب إلى سابقة ، لكن قال الرضيّ : إنّه ليس بشيء لإجماع أهل اللغة على أنّ الاستثناء مخرج ، ولا إخراج إلا مع الدخول ، وأيضا يتعذّر دعوى عدم الدخول في قصد المتكلّم في نحو له على عشرة إلا واحدا ، لأنّ الواحد في العشرة بقصده ثمّ أخرج ، وإلا لكان مريدا بلفظ العشرة تسعة ، وهو محال.