الثالث : يقدّر المستثنى منه في المفرّغ بقدر الضرورة ، وما يتناول المستثنى ويناسبه في جنسه ووصفه ففي نحو : ما ضربت إلا زيدا ، أي أحدا ، وما جئت إلا راكبا ، أي على حال من الأحوال ، وما ضربته إلا تأديبا أي لغرض ، وقس على ذلك.
الرابع : من العرب من يشغل العامل في التفريغ بمحذوف ، فينصب ما بعد إلا على الاستثناء ، نحو : ما ضربت إلا زيدا ، وما مررت إلا زيدا ، فزيد في المثالين منصوب على الاستثناء ، ومعمول الفعل محذوف ، وهذا إنّما يكون فيما يمكن حذفه ، فلو قلت : ما قام إلا زيد ، لم يجز النصب ، لأنّ الفاعل لا يحذف ، وأجازه الكسائيّ على مذهبه في جواز حذف الفاعل ، قاله المراديّ في شرح التسهيل.
«والكلام معه» أي مع المستثنى المفرّغ «غير موجب» بفتح الجيم ، وهو ما يتقدّمه نفي أو شبهه من نهي أو استفهام إنكاريّ «غالبا» لا دائما لاستبعاد اشتراك أفراد الجنس في وقوع الفعل منها أو عليها ومخالفة واحد إيّاها ، ولكنّ ذلك ممكن ، وهو قليل جدّا ، فكان غير الغالب ، نحو : كلّ حيوان يحرّك الفكّ الأسفل في الأكل إلا التمساح ، وقرأت إلا يوم كذا ، إذ لا يبعد أن تقرأ جميع الأيام إلا اليوم المستثنى ، وضابطه استقامة المعنى ، كما قال ابن الحاجب.
وفسّر بعضهم استقامة المعنى بأن يكون الحكم ممّا يصحّ أن يثبت على سبيل العموم كالمثال الأوّل ، أو تكون هناك قرينة دالّة على أنّ المراد بالمستثني منه بعض معيّن ، يدخل فيه المستثنى قطعا كالمثال الثاني لظهور أنّ المتكلّم لا يريد جميع أيّام الدنيا ، بل أيّام الأسبوع أو الشهر أو مثل ذلك ، انتهى.
وقال ابن مالك في شرح التسهيل : إذا كان في الإيجاب معنى النفي عومل معاملته ، نحو : عدمت إلا زيدا ، وصمت إلا يوم الجمعة ، فإنّه بمعنى لم أجد ، ولم أفطر ، انتهى.
تنبيهان : الأوّل : لا يقال ما زال زيد إلا عالما ، وإن كان ظاهر الكلام غير موجب ، لأنّ معنى زال نفي ، والنفي إذا دخل على النفيّ أفاد الإيجاب الدائم ، فيكون المعنى دام زيد على جميع الصفات إلا على صفة العلم ، وهو محال.
الثاني : إذا كان الموجب لازما له النفي كلولا ولو فذهب المبرّد إلى جواز التفريغ معه ، نحو : لولا القوم إلا زيد لأكرمتك ، ولو كان معنا إلا زيد لغلبنا ، قال أبو حيّان في الإرتشاف : والصحيح أنّه لا يجوز ، وإن ذكر مع المستثنى المستثنى منه ، ويسمّى الكلام حينئذ تامّا ، ففيه تفصيل ، فإن كان الكلام موجبا ، وهو ما لم يتقدّمه شيء ممّا تقدّم نصب المستثنى وجوبا ، سواء كان متّصلا ، نحو قوله تعالى : (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً)