أن لا يكون مردودا به كلام تضمّن معنى الاستثناء ، نحو : ما قام القوم إلا زيدا ، ردّا على من قال : أقام القوم إلا زيدا ، فإنّه في هاتين الصورتين يترجّح النصب على الاتباع ، أمّا في الأولى فلأنّ البدل إنّما كان مختارا لطلب المشاكلة بينه وبين المستثنى منه ، ومع التراخي لا يبيّن ذلك ، وأما في الثانية فلأنّه غير مستقلّ ، والبدل في حكم الاستقلال.
قال أبو حيّان : وهذان القيدان لا يعرفهما أصحابنا إلا ابن عصفور ، فإنّه حكى نحو القيد الثاني عن ابن السّراج ، وردّه ، انتهى. فلا يرد حينئذ على قضية إطلاق المصنّف (ره).
الثاني : قد يقال : لا يستفاد من كلام المصنّف (ره) حقيقة هذه الاتباع ، فينبغي التصريح بأحد القولين ، وقد يجاب بأنّه أنّما فعل ذلك إشارة إلى عدم ترجيح أحد المذهبين لتكافئ الأدلّة.
الثالث : علّل كثيرون ترجيح الاتّباع على النصب بما فيه من حصول المشاكلة بين المستثنى والمستثنى منه في الإعراب ، قال البدر الدمامينيّ في المنهل : وقضية ذلك أن لا يكون البدل في قولنا : ما ضربت أحدا إلا زيدا ، مختارا على النصب ، ضرورة أنّ المشاكلة حاصلة على كلا التقديرى ن فيستويان ، انتهى.
قلت : وقد صرّح بذلك الشيخ محبّ الدين ناظر الجيش في شرح التسهيل قال : لو حصلت المشاكلة في تركيب استويا ، والأحسن في تعلى ل ذلك ما علّل به بعضهم ، منهم صاحب الفوائد الضيائية من أنّ النصب على الاستثناء أنّما هو على التشبيه بالمفعوليّة لا بالإصالة وبواسطة إلا ، وإعراب البدل بالإصالة وبواسطة إلا ، وإعراب البدل بالإصالة وبغير واسطة ، فإن تعذّر اتباع المستثنى للمستثني منه على اللفظ لمانع فعلى المحلّ عملا بالمختار على قدر الإمكان ، وذلك في ثلاثة مواضع :
أحدها : في المجرور بمن الزائدة الاستغراقيّة ، نحو : ما جاءني من رجل إلا زيد ، فزيد مرفوع على البدليّة من محلّ أحد ، لأنّه في موضع رفع بالفاعلية لتعذّر الإبدال من لفظ المجرور بمن المذكورة ، لأنّها وضعت لتفيد أنّ النفي شامل لجميع أفراد المجرور بها ، سواء باشرت المجرور نحو : ما جاءني من رجل ، أو كان المجرور تابعا لمباشرها نحو : ما جاءني من رجل وامرأة ، وإلا ناقضة لما يقع بعدها من النفي ، ومع بطلان النفي لا يتأتّي أن يكون شاملا لأفراد ما بعدها ، ولا يجوز : الإبدال على اللفظ أيضا على مذهب الأخفش ، وإن جوّز زيادة من في الموجب مطلقا معرّفا كان أو غيره ، لأنّ الكلام في من الاستغراقيّة ، ولا يمكنه إرتكاب ذلك هنا.