وهي إنّما يعطف بها المفرد لا الجملة ، وهي هنا حروف ابتداء مترلة العاطف في إعطاء حكمه.
«أو كان» العامل «المشتغل فعل طلب» ، أي فعل يفهم معنى الطلب ، فإضافة الفعل إلى الطلب بهذا الاعتبار والمراد به هنا الأمر والنهي والدعاء ، «نحو : زيدا اضربه» ، وعمرا ليضربه بكر ، وخالدا لا تهن ، وبكرا رحمه الله ، ومنه : الأولاد ترضعهنّ الوالدات ، ممّا صورته صورة الخبر ، ومعناه الأمر ، وإنّما ترجّح النصب في ذلك ، لأنّ رفعه بالابتداء يستلزم الإخبار عنه بالجملة الطلبيّة ، والإخبار بها قليل في الاستعمال.
واعترض جواز الاشتغال قبل اللام ولا الطلبيّتين بأنّ ما بعدهما لا يعمل فيما قبلها قياسا ، فكيف جاز ذلك ، وأجاب ابن عصفور بأنهم أجروا الأمر باللام مجرى الأمر بغيرها ، وأجروا النهي بلا مجرى النفي بها.
تنبيه : يترجّح نصب الاسم على رفعه في مسائل أخر :
إحداها : أن يكون الاسم جوابا لاستفهام منصوب بما يليه ، كما إذا قيل : أرايت أحدا؟ أو أيّهم أو غلام أيّهم رأيت؟ فتقول : زيدا ، أو غلام زيد رأيت ، وذلك ليطابق الجواب السؤال في الجملة الفعلية.
الثانية : أن يوهم رفع الاسم وصفا مخلّا ، وذلك كما إذا أردت أن تخبر أنّ كلّ واحد من ممإليكك اشتريته بعشرين ، وإنّك لم تملك واحدا منهم إلا بشرائك هذا الثمن ، فقلت : كلّ واحد من مماليكي اشتريت بعشرين ، فنصب كلّ نصّ في المعنى المقصود ، لأنّ التقدير اشتريت كلّ واحد.
وأمّا إذا رفعت فيحتمل أن يكون اشتريته خبرا له ، وبعشرين متعلّقا به ، أي كلّ واحد منهم مشترى بعشرين ، وهو المعنى المقصود ، ويحتمل أن يكون اشتريته صفة لكلّ واحد ، وبعشرين هو الخبر ، أي كلّ من اشتريته من المماليك فهو بعشرين ، فلا يقع إلا على من اشتريته دون ما حصل منهم بغير الشراء من وجوه التملّكات كالإرث والهبة ونحوهما ، فرفعه موهم لاحتمال غير المقصود ، فيترجّح النصب لكونه نصّا في المعنى المقصود.
الثالثة : أن يكون الاسم نكرة صرفة ، نحو : رجلا ضربته ، فإنّه لا يجوز فيه الرفع لامتناع التنكير الصرف للمبتدإ ، ذكره بعضهم ، وفيه أنّه ينبغي أن يعدّ ممّا يجب فيه النصب ، لا ممّا يترجّح ، وأيضا فالاشتغال في مثل ذلك لعدم شرطه ، قال ابن هشام في المغني : وشرط المنصوب على الاشتغال أن يكون قابلا للابتدا ، انتهى. وبذلك ردّ في موضع آخر من المغني قول بدر الدين بن مالك في قول الحماسي [من الرمل] :