الثالث : غير حروف النفي الثلاثة كلم ولمّا ولن ، وليست مثلها ، إذ لا يقدر معمولها ، وهو الفعل لضعفها عن العمل ، فلا يقال : لم زيدا تضربه ، ولا لن بكرا تقتله إلا في الضرورة ، كقوله [من الطويل] :
٤٠٧ ـ ظننت فقيرا ذا غنيّ ثمّ نلته |
|
فلم ذا رجاء ألقه غير واهب (١) |
أراد فلم ألق ذا رجاء ألقه.
«أو حصل بنصبه تناسب جملتين في العطف» ، وذلك إذا كانت الجملة المعطوف عليها فعلية ، فينصب الاسم بفعل مقدّر يفسّره المذكور ، فتكون الجملة فعلية ، ويحصل تناسب الجملتين المتعاطفين ، «نحو : قام زيد وعمرا أكرمته» ، فيترجّح نصب عمرا على رفعه لحصول تناسب الجملتين به ، لأنّ تناسب الجملتين المعطوفة إحداهما على الأخرى أحسن من تخالفها ، كذا قالوا.
قال الدمامينيّ : وهذا ممّا يدلّ صريحا على جواز التخالف بالاسميّة والفعلية ، وقد حكى قولان في المسألة بخلاف ذلك ، الأوّل : المنع مطلقا ، حكى عن ابن جنيّ ، والآخر : أنّه يجوز في الواو فقط ، نقل ذلك أبو الفتح عن شيخه أبي على الفارسيّ في سرّ الصناعة (٢) ، انتهى. وقال ابن هشام في شرح اللمحة : وقضية القول بالمنع مطلقا إيجاب النصب هنا ، لكنّي لم أره منقولا عن أحد.
تنبيهات : الأوّل : جرت عادة النّحاة بأن يذكروا العطف على الفعلية من مرجّحات النصب بالنسبة إلى المعطوفة في باب الاشتغال ، كما ذكر ، ولم يذكروا مثل ذلك بالنسبة إلى المعطوف عليها في نحو : زيدا أكرمته وضربت عمرا ، ولا فرق ، نبّه عليه ابن هشام في المغني.
الثاني : إذا فصل العاطف من الاسم بأمّا ، نحو : ضربت زيدا وأمّا عمرو فأهنته ، ترجّح الرفع بالابتداء ، لأنّ أمّا تقطع ما بعدها عمّا قبلها لكونها من الحروف الّتي يبتدأ بها الكلام.
الثالث : حتى ولكن وبل كالعاطف فيما تقرّر ، نحو : ضربت القوم حتى زيدا ضربته ، وما رأيت زيدا ولكن عمرا رأيت أباه ، وما أكرمت زيدا بل عمرا أكرمته ، وإنّما لم يكن للعطف ، لأنّ الاسم المنصوب في باب الاشتغال لا بدّ أن يكون بعض جملة ،
__________________
(١) لم يسمّ قائله.
(٢) سر الصناعة وأسرار البلاغة لأبي على محمد بن حسن الحاتمي المتوفى سنة ٣٨٨ ه ق. ولابن جنيّ أبي الفتح عثمان المتوفى سنة ٣٩٢ في الحروف المفرده. المصدر السابق ٢ / ٩٨٨.