وأجاز ابن عصفور نداء المضمر المخاطب في الشعر خاصّة مستدلّا بالبيت والمثل ، ولا حجّة في ذلك كما عرفت ، وظاهر كلام ابن مالك في الألفية أنّ نداء المضمر مطلقا مطّرد ، وهو خلاف الإجماع. قال المراديّ في شرح التسهيل وقول بعض الصوفيّة : يا هو ، ليس جاريا على كلام العرب وقال شعبان في ألفية [من الرجز] :
٤١٥ ـ ولا تقل عند النداء يا هو |
|
وليس في النحاة من رواه |
«و» يشترط «خلوّه من اللام» للتعريف ، فلا يقال : يا الرّجل ، كراهة اجتماع الّتي التعريف صورة ، وإن كان في إحداهما من الفائدة ما ليس في الأخرى «إلا في لفظ الجلالة» ، وهو الله علم للذات المقدّس الواجب الوجود الموضوع بجميع الكمالات ، فلا يشترط خلوّه عنها ، بل يجب إثباتها إجماعا ، فيقول : يا الله باثبات الألفين ، ويلله بحذفها ، ويالله بحذف الثانية فقط ، لأنّ اللام لازمة له ، لا تفارقه ، إذ أصله إله ، فحذفت الهمزة تخفيفا للكثرة استعماله ، فادخلت عليه اللام لدفع شياع (١) ما ذهب إليه الكفّار من تسمية أصنامهم إلهة ، أدغمت لام التعريف فيما بعدها ولزمت كالعوض من الهمزة ، ومن ثمّ تقطع في النداء وقيل : أل في اسم الله للتعظيم ، لا للتعريف ونسب لسيبويه.
فائدة : هذا الاسم الشريف يختصّ بأشياء ، لا توجد في غيره من الأسماء ، منها ما ذكره. ومنها زيادة ميم في آخره عوضا من حرف النداء كما سيأتي ، ومنها أنّه يفخم إذا كان قبله فتح أو ضمّ ، مثل قال الله تعالى ، ويقول الله تعالى.
ولا تقول مثل هذا في الليل واللبن ، فإن كان قبله كسرة لم يفخم ، مثل بسم الله ، لأنّك لو فخمت هذا لكنت متسفّلا بالكسرة ، متصعّدا بتفخيم الفتحة ، وهذا ثقيل على اللسان ، وليس كذلك مع الضمّة والفتحة لاستعلائهما في الحنك (٢). ومنها اختصاصه في القسم بالتاء بالله ، نحو قولهم : تالله ، ومنها قطعهم لهمزته في القسم من قولهم : أفالله لافعلن كذا بمترلة أفو الله ، ذكره ابن بايشاذ في شرح الجمل ، وقول الشاعر [من الوافر] :
٤١٦ ـ من أجلك يا الّتي تيّمت قلبي |
|
وأنت بخيلة بالوصل عنّي (٣) |
«شاذّ» ، فلا يقاس عليه خلافا للبغداديين والكوفيّين في إجازتهم في السعة ذلك محتجّين بالسماع ، كالبيت وبالقياس ، قالوا : لأنّا لم نر موضعا يدخله التنوين ، ولا يدخله الألف واللام. وأجاب المانعون عن السماع بالشذوذ ، وعن القياس بأنّه إن أرادوا بذلك في غير النداء فممنوع لدخول التنوين في نحو زيد ، وسيبويه منكرا مع عدم دخول
__________________
(١) الشياع : النداء.
(٢) الحنك : باطن أعلى الفم من الدخل. والأسفل من طرف مقدم اللّجبين.
(٣) لم يسمّ قائله. اللغة : تيّمت : استعبدت وذللّت.