فيحتمل أن يكون هذا مختار المصنّف ، ولذلك لم يقيّد التأكيد بالمعنويّ ، وليس التأكيد في البيت بمتعيّن ، بل يجوز أن يكون كلّ من نصر الأوّل والثاني عطف بيان على المنادى الأوّل جاريا على لفظه والثاني على محلّه.
واستشكال ابن الطراوة لذلك بأنّ الشيء لا يبيّن نفسه مردود بجواز قولك : يا زيد زيد ، إذا قلته ، وبحضرتك اثنان ، اسم كلّ منهما زيد ، فإنّك إذا ذكرت الأوّل ، توهّم كلّ منهما أنّه المقصود ، فإذا كرّرته تكرّر خطابك لأحدهما وإقبالك عليه ، فظهر المراد.
وأمّا قول بعضهم : إنّ نصر الثاني عطف بيان على الأوّل على اللفظ والثالث عطف بيان على الثاني على المحلّ ففيه أنّ قضية ذلك أن يكون لتابع المنادى المبنيّ على الضّمّ إذا رفع إعرابان : لفظيّ ، هو الرفع ، وتقديرى ، هو النصب ، والظاهر من كلامهم خلافه ، وإنّه ليس له الإعراب واحدا ما الرفع فقط أو النصب فقط ، والظاهر ما ذكرناه أوّلا «والصفة» خلافا للأصمعيّ في منعه وصف المنادى لشبهه بالمضمر الّذي لا يجوز وصفه. قال : وارتفاع نحو : الظريف في قولك : يا زيد الظريف على تقدير أنت الظريف ، وانتصابه على تقدير أعني الظريف ليس بشيء ، إذ لا يلزم من مشابهته له كونه مثله في جميع أحكامه.
«وعطف البيان ترفع حملا على لفظه» ، أي المنادى ، قيل : لأنّ الضمّ لاطّراده هنا بمعنى أنّه يصحّ أن يقال : كلّ منادي مفرد معرفة فهو مبنيّ على ما يرفع به أشبه الرفع في الفاعل ، فكما أنّ الرفع في الفاعل مطّرد ، كذلك هذا الضمّ في المنادى مطّرد ، ويردّه أنّ الاطّراد ليس سببا لحمل التابع على لفظ المتبوع ، فإنّ نحو : يا فساق ويا سيبويه يطّرد فيه الكسر ، فيقال : كلّ فعال لسبّ المؤنّث في النداء ، وكلّ علم ختم بويه مبنيّ على الكسر ، ومع هذا فلا يجوز حمل التابع على لفظهما. وقيل لعروض الضّمّة ، لأنّها عرضت بدخول يا على المنادى عروضها في الفاعل بدخول العامل ، فاشبهت الرفع فيه ، فيكون الرافع للتابع على هذا حرف النداء بناء على أنّ العامل في التابع هو العامل في المتبوع في غير البدل ، وإلا فأين الرافع.
وبه صرّح الفاضل الهنديّ في شرح الكافية ، ولا يخفي ضعف ذلك ، قال في التصريح : والقول بأنّ الرافع التبعية قول ضعيف ، فلا يحسن التخريج عليه ، والمخلص من ربقة (١) هذا الإشكال أن يحاول في المنادى المضموم أن يكون نائب فاعل في المعنى ، والتقدير : مدعوّ زيد ، فرفع تابعه بالجمل على ذلك ، انتهى.
__________________
(١) الربقة : الحبل ، الخيط.