وفيه أنّ معنى المنادى إنشائي ، وما قدّره معنى خبريّ. وقال عصام الدين : إنّ المنادى مع كونه مفعولا به صار كالعمدة في أنّه لا يتمّ الجملة الندائيّة بدونه ، وذلك لأنّه في معنى أقبل ، فذلك المفعول فاعل في القصد ، ولذلك بني على ما يرفع به ، فرفع تابعه بالحمل عليه ، وفيه من التكلّف ما لا يخفي كما اعترف هو به ، وبالجملة فالمسألة من غوامض هذا العلم الجليل ، وكلّ تعلى ل فيها على ل.
«وتنصب» حملا «على محلّه» ، لأنّ حقّ التابع المبنيّ أن يكون تابعا لمحلّه ، وهو هنا منصوب المحلّ على المفعوليّة ، فتقول في التاكيد : يا تميم أجمعون وأجمعين ، وفي الصفة يا زيد الحسن والحسن ، وفي البيان يا غلام بشر وبشرا.
«والبدل» كالمنادى «المستقلّ مطلقا» ، أي سواء كان المنادى مبنيّا أو معربا ، فيضمّ إن كان مفردا معرفة ، وإلا نصب ، كما لو كان المنادى ، فتقول : يا زيد بشر ، ويا عبد الله بشر ، ويا أبا عبد الله ويا عبد الله أخا زيد ، كما تقول : يا بشر ويا أبا عبد الله ، ويا أخا زيد ، وذلك لأنّه في نيّة تكرار العامل.
وقال ابن مالك : ويجوز عندي أن يعتبر في البدل حالان : حال يجعل فيها كالمستقلّ ، وهو كثير ، وحال يعطي فيها الرفع والنصب لشبهه فيها بالتوكيد والنعت وعطف البيان وعطف النسق المقرون بأل في عدم الصلاحيّة لتقدير حرف النداء قبله ، نحو : يا تيم الرجال والنساء ، وصحة هذه المسالة مبنيّة على أنّ العامل في البدل هو العامل في المبدل.
«أمّا المعطوف» عطف نسق ، «فإن كان مع أل» سواء كان علما ، نحو : يا زيد والحارث أو لم يكن ، نحو : يا زيد والرجل ، «فالخليل» بن أحمد الفراهيديّ نسبته إلى فراهيد ، وهي بطن من الأزد ، وهو فريد العصر وقريع (١) الدهر وأستاذ أهل الفطنة الّذي لم ير نظيره ، ولا عرف في الدنيا عديله (٢) ، حتى قال بعض أهل العلم : إنّه لا يجوز على الصراط بعد الأنبياء أحد أدقّ ذهنا من الخليل (ره) «يختار» مع تجويز النصب «رفعه» لما فيه من مشاكلته للمنادى في حركته ، ونظرا إلى المعنى ، لأنّه منادى مستقلّ معنى ، وإن لم يصحّ مباشرة الحرف له ولكونه الأكثر في استعمالهم ، كما حكاه سيبويه ، ووافق الخليل تلميذه سيبويه والمازنيّ.
__________________
(١) القريع : الفحل ، الكريم ، الغالب.
(٢) العديل : المثل والنظير.