«ويونس» بن جبيب الضبيّ أستاذ سيبويه يختار «نصبه» ، لأنّه لا يجوز أن يلي حرف النداء ، فينبغي أن لا يجعل كلفظ ما وليه ، ولذلك قرأ جميع القرّاء ما عدا الأعرج (١) قوله تعالى : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) [سبأ / ١٠] بالنصب ، ووافق يونس أبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمرو الثقفيّ والجرميّ ، وعزي في غالب المتون هذا الاختيار إلى أبي عمرو دون غيره ، فالتبس الأمر على بعض الناس ، فتوهّم أنّ ذكر يونس في هذا المقام سهو من قلم الناسخ ، وسببه أنّه لم يكن في هذا العلم بالراسخ.
«و» أبو العباس محمد بن يزيد «» بضمّ الميم وفتح الباء الموحّدة وفتح الراء المشدّدة ، عرف بذلك لما حكى السيرافيّ من أنّه لمّا صنّف المازنيّ كتابة الألف واللام سأل عن دقيقه وعويصه (٢) ، فأجاب بأحسن جواب ، فقال : قم فأنت المبرّد ، بكسر الراء المثبت للحقّ ، فغيّره الكوفيّون ، وفتحوا الراء ، وجعلوه نبزا (٣).
«إن كان» المعطوف مع أل علما «كالخليل» واليسع والصعق ، فهو «كالخليل» في اختيار الرفع ، أو فيختار الرفع كالخليل ، لأنّ أل لم تفد فيه تعريفا ، فهي كالعدم ، فاشبه عطف النسق المجرّد من أل ، «وإلا» يكن المعطوف مع أل علما ، بل كان جنسا كالرجل والطير ، فهو «كيونس» في اختيار النصب ، لأنّه يكون حينئذ بإحداث أل فيه تعريفا وتركيبا ما مشابها للمضاف ، هذا هو المنقول الصحيح عن المبرد.
وما وقع في الكافية من قول ابن الحاجب والخليل في المعطوف يختار الرفع ، وأبو عمرو النصب ، وأبو العباس إن كان كالحسن فكالخليل وإلا فكأبي عمرو ، فمقتضاه كما حلّه المصنّف وغيره من الشّراح أنّ المبرّد يوافق الخليل في اختيار الرفع ، إذا كان المعطوف مع أل مثل الحسن في عروض أل وجواز حذفها ، فكأنّه إذن مجرّد عن أل ، ويوافق أبا عمرو في اختيار النصب مع لزوم أل كما في الصعق لامتناع مباشرة حرف النداء له مطلقا ، فكيف يضمّ ، وهو سهو من ابن الحاجب ، كما نبّه عليه الرضيّ (ره).
قال شيخنا العلّامة محمد بن على الشاميّ : ـ أعلى الله مقامه ـ وهذا الحلّ لعبارة ابن الحاجب في الكافية أنّما علم من شرحه ، وإلا فعبارته لا تأبي التتريل على ما هو الصحيح ، وبعد ففي كلامه مع السهو في النقل أنّه لم يعلم منه مذهب المبرّد في عطف ما فيه اللام الأصليّة ، انتهى ، فتأمّل. وتبع ابن الحاجب على هذا النقل عن المبرّد صاحب اللباب وابن هشام في الجامع الصغير.
__________________
(١) عبد الرحمن بن هرمز عرف بالأعرج ، حافظ ، قارئ ، وهو أوّل من برز في القرآن والسنن ، مات سنة ١١٧ ه ق الأعلام للزركلي ، ٤ / ١١٦.
(٢) العويص : الصعب والغامض.
(٣) النبز : لقب السوء.