النصبين أنّ أحدهما على الحال والثاني على التمييز ، وصرّح بمثل ذلك في قوله تعالى : (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) [البقرة / ٢٩] ، فقال : الضمير في سوّاهنّ ضمير مبهم وسبع سموات تفسيره كقولهم : ربّه رجلا ، انتهى.
وضعف كلامه بوجهين : أحدهما : إنّ الباب ليس بقياس ، وإنّما حمل الضمير في ربّه رجلا على أنّه مبهم ، لأنّ ربّ لا تدخل إلا على النكرات ، وهذا لا يوجد في سوّاهنّ ، وفيه نظر ، يعلم ممّا مرّ من الكلام على تعريف هذا الضمير وتنكيره. الثاني : إنّ هذا التقدير يجعل الكلام غير مرتبط بما قبله ارتباطا كليّا ، إذ يكون الكلام قد تضمّن أنّه تعالى استوى إلى السماء ، وأنّه سوى سبع سموات عقب استوائه إلى السماء ، فيكون قد أخبر بإخبارين : أحدهما استوائه إلى السماء ، والآخر تسوى ته سبع سموات ، وظاهر الكلام أنّ الّذي استوى إليه هو بعينه المسوى سبع سموات ، وفيه نظر ظاهر. «أو كان» الضمير «للشأن والقصة كما مرّ» عن قريب فليراجع إليه.
تنبيه : زاد ابن مالك في التسهيل موضعين آخرين يعود فيهما الضمير على متأخر لفظا ورتبة : أحدهما : أن يكون الضمير مخبرا عنه فيفسّره خبره ، نحو : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) [الأنعام / ٢٩] ، وقال الزمخشريّ : هذا ضمير لا يعلم ما يعني به إلا بما يتلوه ، وأصله إن الحياة إلا حياتنا الدنيا ، ثمّ وضع هي موضع الحياة ، لأنّ الخبر يدلّ عليها ويبيّنها.
قال ابن مالك : وهذا من جيّد كلامه ، ونازعه في ذلك أبو حيّان ، قال : لأنّ الخبر إذا كان مضافا لشيء أو موصوفا بشيء ، وجعل مفسّرا ، كان المبتدأ الّذي هو ضمير عائد عليه باعتباره ما قيّد به من إضافة أو صفة ، وحينئذ يصير التقدير إن حياتنا الدنيا إلا حياتنا الدنيا.
قال : وليس في كلام الزمخشريّ دليل على ما ذهب إليه ، لأنّه قال : وضع هي موضع الحياة ، ولم يقل موضع حياتنا الّذي هو الخبر وقوله : لأنّ الخبر يدلّ عليها ويبيّنها ، يعني سياق هذا الكلام دلّ على أنّ المفسّر هو الحياة ، فيكون المفسّر إذن هو السّياق إلا الخبر ، انتهى.
الثاني : أن يكون الضمير متّصلا بفاعل مقدّم مفسّره مفعول مؤخّر نحو : ضرب غلامه زيدا ، ومن شواهده قول حسان [من الطويل] :
٤٧٨ ـ ولو أنّ مجدا أخلد الدّهر واحدا |
|
من الناس أبقي مجده الدّهر مطعما (١) |
__________________
(١) تقدم برقم ٩١.