الرابع : أنّه لمّا ثنّي هذا اجتمع ألفان : ألف هذا وألف التثنية ، فوجب حذف إحداهما لالتقاء الساكنين ، فمن قدّر المحذوفة ألف هذا والباقية ألف التثنية قلبها في النصب والجرّ ياء ، ومن قدّر العكس لم يغيّر الألف عن لفظها.
الخامس : أنّه جيء به على أوّل إعرابه ، وهو الرفع كما في اثنان قبل التركيب.
السادس : أنّه مبنيّ كما مرّ (١).
قال ابن هشام : وعلى هذا فقراءة (هذانِ) أقيس ، إذ الأصل في المبنيّ أن لا تختلف صيغة ، مع أنّها مناسبة لألف ساحران ، وعكسة الياء في : (إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) [القصص / ٢٧] ، فهي هنا أرجح لمناسبة ياء ابنتي.
وحكى السقطي (٢) في تاريخه «أبناء الراوة» أنّ القاضي اسماعيل بن اسحاق (٣) سأل أبا الحسن محمد بن أحمد بن كيسان ما وجه قراءة من قرأ : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [طه / ٦٣] ، على ما جرت به عادتك من الإعراب في الاعراب؟ فأطرق ابن كيسان مليّا (٤) ثمّ قال : نجعلها مبنيّة لا معربة ، وقد استقام الأمر. قال : وما علّة بناءها؟ قال : لأنّ المفرد منها هذا ، وهو مبنيّ والجمع هؤلاء (٥) وهو مبنيّ ، فيحتمل التثنية على الوجهين ، فأعجب القاضي ذلك ، وقال : ما أحسنه لو قال به أحد ، فقال ابن كيسان : ليقل به القاضي ، وقد حسن.
وللمفرد المؤنّث «ذي» بذال معجمة مكسورة فياء ساكنة مبدلة من ألف ذا فرقا بين المذكّر والمؤنّث بالياء الّتي هي علامة التأنيث في نحو : تقومين. و «ذه» باختلاس حركة الهاء ، أي اختطافها والإسراع ، وذه باسكان الها ، والظاهر أنّه بناء. وقال بعضهم : السكون في الوقف لأجله ، وفي الوصل لاجرائه مجرى الوقف ، وذهي باشباع كسرة الهاء. قال بعض المحقّقين : الياء الحاصلة بالإشباع لا تكتب كالواو الحاصلة به ، فيكتب مرّ به وضربه بلا ياء وواو ، وكأنّه خصّ اسم الإشارة هنا بكتابته تقليلا للاشتراك بكتابة ذه وته ، انتهى.
__________________
(١) من بين هذه الوجوه المذكورة يبدو أنّ هذا الوجه أشدّ مناسبة ، لأنه لا إشكال فيه إذا قلنا بأنّ أسماء الإشارة مبنيّة في كلّ حال.
(٢) هبة الله بن المبارك ، أبو البركات ، السقطي ، مؤرّخ محدّث رحال ، صنف «تاريخا» جعله ذيلا على تاريخ بغداد للخطيب ، مات سنة ٥١٩ ه ، المصدر السابق ، ٩ / ٦٤.
(٣) إسماعيل بن إسحاق الجهضمي الأزدي ، فقيه على مذهب مالك ، ولي قضاء القضاة ، من تاليفه «الموطأ» و «أحكام القرآن» مات سنة ٢٨٢ ه. المصدر السابق ، ١ / ٣٠٥.
(٤) مليا : زمانا طويلا.
(٥) سقط والجمع هؤلاء في «ح».