وأمّا اشتقاق هذه الأحوال : فشغر من اشتغرت عليه ، ضيعته أي انتشرت ولم تنضبط ، وبغر من بغر النجم ، أي هيّج المطر ونشره ، وشذر من التشذّر أي التفرّق ، ومذر من التبذير ، وهو الإسراف ، والميم بدل من الباء.
ويقال : شذر بذر بالباء على الأصل ، أو من مذرت البيضة أي فسدت ، وخذع من الخذع ، وهو القطع ، ومذع من قولهم : فلان مذياع ، أي كذّاب يفشي الأخبار ، وينشرها ، وبذر مثل هذا التركيب في غير الظروف والأحوال كقولهم : وقع في حيص بيص ، بفتح الفاءين وكسرهما ، أي في شدّة يعسر التخلّص منها والحيص الهرب ، والبيص السبق والتقدّم ، أي وقعوا في هرب. وسبق بعضهم بعضا لعظيم الشدّة ، فقلبوا الواو ياء للازدواج ، ولم يعكسوا لكون الياء أخفّ.
الثاني : قد يضاف خمسة عشر وأخواته إلا اثني عشر وفرعيه إلى مستحقّ المعدود ، نحو : هذه خمسة عشر زيد ، فيجب عند البصريّين بقاء البناء في الجزءين ، وحكى سيبويه الإعراب في آخر الثاني ، وإبقاء الأوّل على بنائه قال : وهي لغة رديئة.
وحكى الكوفيون وجها ثالثا ، وهو إضافة الأوّل إلى الثاني ، نحو : ما فعلت خمسة عشرك ، وأجازوا أيضا هذا الوجة دون إضافته إلى مستحقّ المعدود ، نحو : هذه خمسة عشر ، ورأيت خمسة عشر ، ومررت بخمسة عشر بالإضافة في الأحوال الثلاثة. وإعراب خمسة بحسب العوامل ، واستدلّوا على ذلك بقوله [من الرجز] :
٥٣٢ ـ كلّف من عنائه وشقوته |
|
بنت ثماني عشرة من حجّته (١) |
قال ابن بابشاذ في شرح الجمل : ولا دليل فيه لأنّ الشعر موضع ضرورة ، وليس هو أيضا بمشهور.
الثالث : إذا سمّي بخمسة عشر ونحوه ممّا تضمّن الثاني فيه حرفا ففيه ثلاث لغات.
إحداها : وهي الفصحي ، إبقاء الجزءين على البناء مراعاة للأصل. الثانية : إعراب الثاني غير منصرف مع التركيب كبعلبك. الثالثة : إضافة الأوّل إلى الثاني مع صرف الثاني ومنعه. وإنّما جاز إعراب الثاني مع قيام سبب فيه ، وهو تضمّنه الحرف في الأصل ، لأنّ الأصل انمحي بالعلميّة ، قاله الرضيّ.
«وإلا» يتضمّن الثاني حرفا «أعرب الثاني» إعراب ما لا ينصرف في الأفصح ، كما سيجئ في بابه لانتفاء سبب البناء فيه ، وهو تضمّن الحرف «كبعلبك» علم لبلد بالشام ، والبعل الزوج ، وبك اسم صنم ، دقّ العنق ، وسمّيت مكّة بكّة لدقّها أعناق الجبابرة.
__________________
(١) هو لنفيع بن طارق. اللغة : العناء : التعب والنصب ، الحجة : السنة.