النحو مجرّدا عن غيره ، لأنّ كتابه لم يشمل إلا عليه لا غيره ، واستمداده من الكلام العربيّ ومسائله المطالب الّتي يبرهن عليها فيه ، كعلمنا بأنّ الفاعل مرفوع والمفعول منصوب إلى غير ذلك (١).
وأل في الكلمة والكلام للعهد الذهنيّ ، أي المصطلح عليهما عند النحاة ، فالكلمة شرع في الكلام على حقيقة الكلمة والكلام ، لأنه إنّما يبحث عنها ، والفاء فصيحة ، أي إذا عرفت أنّ موضوعه الكلمة والكلام. «فالكلمة» وأل فيها للعهد الذكريّ ، فإنّ المعرفة إذا أعيدت معرفة كانت عين الأولى ، كما إذا أعيدت النكرة معرفة ، وهذا أغلبيّ لا كليّ. وفيه كلام طويل ، ليس هذا محلّه. وهي لغة تقال للجمل المفيدة والقصيدة كقوله تعإلى : (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) [التوبة / ٤٠] ، أي لا إله إلا الله. وقولهم كلمة الحويدرة أي قصيدته ، والحويدرة لقب شاعر ، تصغير حادرة ، واسمه قطبة بن يحصن ، روي أن حسانا (٢) إذا قيل له : أنشدنا ، قال : أنشدكم كلمة الحويدرة ، يعني قصيدته الّتي مستهلها [من الكامل] :
٩ ـ بكرت سميّة غدوة فتمتّع |
|
وغدت غدوّ مفارق لم يربع (٣) |
وهو أمّا من باب إطلاق الجزء مرادا به الكلّ ، أو من باب الاستعارة المصرّحة من حيث إنّ الكلام لارتباط أجزائه بعضها ببعض كالكلمة الواحده ، واصطلاحا عند المنطقيّ الفعل على ما قيل ، وعند النحويّ «لفظ» أي : ملفوظ ، وهو في الأصل مصدر بمعنى الرمي مطلقا ، ثمّ خصّ بالرمي من الفم ، ثمّ أطلق عليه من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول كالخلق بمعنى المخلوق ، إلا أنّ هذا الإطلاق صار حقيقة عرفيّة ، والخلق بمعنى المخلوق مجاز لغويّ ، واشتهر تعريف اللفظ بأنّه الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائيّة.
لكن انتقد بأنّه لا يشمل اللفظ البسيط ، فمن ثمّ اختير في تعريفه ما قيل صوت معتمد على مقطع الفم حقيقة أو حكما ، فالأوّل كزيد ، والثاني كالمنويّ في فم المقدّر بانت بنا على جواز استعمال المشترك في معنييه الحقيقين إن كان حقيقة فيهما أو الحقيقيّ والمجازيّ ، إن كان حقيقة في أحدهما مجازا في الآخر ، ولا مخلص عند مانعي
__________________
(١) سقطت هذه الجملة في «س».
(٢) أبو عبد الرحمن حسان بن ثابت بن المنذر ، من قبيلة الخزرج ، ولد بالمدينة ، اتّصل بالغساسنة ، ومدحهم كما اتّصل ببلاط الحيرة ، انتقل إلى الإسلام وناصره بلسانه فلقب شاعر النبي (ص) توفّي سنة ٦٧٤ م / ٥٤ ه. حنا الفاخوري ، الجامع في تاريخ الأدب العربي ، الأدب القديم ، لاط ، دار الجيل ، بيروت ، لات ، ص ٤١٣.
(٣) هو للحادرة. اللغة : بكرت : خرجت أوّل النهار قبل طلوع الشمس. غدوة : ما بين الفجر وطلوع الشمس.