والأكثر اقتران الجملة المؤكّدة بعاطف ، وهو ثمّ خاصّة كما في الإرتشاف ، نحو : (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) [النبا / ٥ و ٤] ، ويأتي بدونه نحو قوله (ص) : والله لأغزونّ قريشا والله لأغزونّ قريشا (١). ويجب ترك العاطف عند إيهام التعدّد ، نحو : ضربت زيدا ، إذ لو قيل : ثمّ ضربت زيدا لتوهّم أنّ الضرب وجد مرّتين ، وتراخت إحداهما عن الأخرى ، والغرض أنّه لم يقع إلا مرّة واحدة.
فإن قلت : إذا قرن المؤكّد بالعاطف ، فهل يكون توكيدا أو عطف نسق؟ قلت : النّحويّون على أنّه عطف نسق وإن أفاد التوكيد ، وزعم ابن مالك أنّه توكيد لفظيّ ، اغتفر فيه الفصل بالعاطف ، كذا قال ابن عادل (٢) في تفسيره. أقول : والصواب ما ذهب إليه ابن مالك ، فإنّ العطف في ذلك نظير العطف في الأوصاف المتعدّدة ، وقد مرّ أنّ إطلاق العطف عليها مجاز ، فيكون هنا كذلك ، وان كان المؤكّد هنا اسما ظاهرا أو ضميرا منصوبا منفصلا ، فيتكرّر بحسب الإرادة بلا شرط ، نحو قوله (ص) : أيّما امراة نكحت نفسها بغير وليّ فنكاحها باطل باطل باطل (٣) ، وقوله تعالى [من الطويل] :
٥٧٤ ـ وإيّاك إيّاك المراء فإنّه |
|
إلى الشّرّ دعّاء وللشّرّ جالب (٤) |
وإن كان ضميرا منفصلا مرفوعا جاز أن يؤكّد به كلّ ضمير متّصل ، مرفوعا كان أو منصوبا أو مجرورا مع طبقة في التّكلّم والإفراد والتذكير وأضدادها ، كقمت أنا ، وأكرمتني أنا ، وضربتك أنت ، وضربته هو ، ومررت بك أنت ، وبه هو ، وهكذا ، وأجاز بعضهم توكيد المنفصل بالإشارة ، وجعل منه (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ) [البقرة / ٨٥].
الثاني : لا يزيد تكرار اللفظ في التوكيد على ثلاث مرّات ، قال الشيخ عز الدين بن عبد السّلام (٥) : اتّفق الأدباء على أنّ التأكيد في لسان العرب إذا وقع بالتكرار لا يزيد على ثلاث مرّات قال : وأمّا قوله تعالى في سورة المرسلات (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [المرسلات / ١٥] ، في جميع السورة ، فذلك ليس بتوكيد ، بل كلّ آية قيل فيها : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) في هذه السورة ، فالمراد المكذّبون بما تقدّم ذكره قبيل هذا القول ، ثمّ يذكر الله معنى آخر ، ويقول : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ،) أي بهذا ، فلا يجتمعان على معنى واحد فلا تاكيد (٦). وكذلك (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [الرحمن / ١٣] ، في سورة الرحمن.
__________________
(١) سنن أبي داود ، ص ٦٢٥ ، رقم ٣٢٨٥.
(٢) لم أجد ترجمة حياته.
(٣) الترمذي ، ٣ / ٤٠٨ ، رقم ١١٠٢.
(٤) هو للفضل بن عبد الرحمن. اللغة : المراء : الممّاراة والجدل.
(٥) لم أقع على ترجمه له.
(٦) سقطت «فلا تاكيد» في «ح».