٥٧٥ ـ ... |
|
كفاغري الأفواه عند عرين (١) |
أي كأسدين فاغرين أفواههما عند عرينهما ، فإنّ مثل ذلك ورد فيه الجمع والإفراد والتثنية ، فمن الأوّل ، نحو : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) [التحريم / ٤] ، وقراءة ابن مسعود : السارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما [المائدة / ٣٨] ، ومن الإفراد : (بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) [الأعراف / ٢٢] ، ومن التثنية قراءة الجمهور : سوءاتاهما.
وطرد ابن مالك قياس الجمع والإفراد أيضا لمفهم المعنى ، وخصّ الجمهور القياس بالجمع ، وقصروا الإفراد على ما ورد ، وإنّما وافق الجمهور على قياس الجمع كراهة اجتماع التثنيتين مع فهم المعنى ، ولذلك شرط أن لا يكون لكلّ واحد من المضاف إليه إلا شيء واحد ، لأنّه إذا كان له أكثر التبس ، فلا يجوز في قطعت أذني الزيدين الإتيان بالجمع ولا الإفراد للإلباس.
الثالث : لا تجمع النفس والعين في التأكيد إلا جمع قلّة ، فلا يؤكّد بنفوس ولا بعيون ، قال المراديّ في شرح التسهيل ، وينبغي أن يقيّد جمع القلّة بأفعل ، فإنّ عينا جمع على أعيان ، ولا يؤكّد به ، واعترضه الدمامينيّ بأنّ في شرح العمدة لابن مالك وفي شرح المفصّل ونهاية ابن الخباز جواز أعيان في هذا الباب.
الرابع : يجوز الجمع بين النفس والعين ، ويجب تقديم النفس على الأصحّ ، كجاء زيد نفسه عينه بخلاف عكسه ، فإنّ النفس هي الذات حقيقة ، والعين مستعارة لها عن الجارحة المخصوصة. قال بعض المتأخّرين : وفي استعارة العين للنفس نظر ، فتأمّل.
الخامس : يجوز أن تزاد الباء فيهما ، كجاء زيد بنفسه وبعينه. ولا يجوز ذلك في غيرهما من ألفاظ التوكيد ، فأمّا جاؤوا بأجمعهم فليس من التوكيد ، لأنّ الباء لازمة ، ولأنّه بالضمير ، ولو كان توكيدا ، لكان الباء زائدة ، وكان يصحّ إسقاطها ، وكان وروده بدونها غالبا وبدون الضمير واجبا ، وإنّما هو بضمّ الميم لا بفتحها ، وهو جمع لقولك (٢) جمع على حدّ قولهم فلس وأفلس ، والمعنى جاؤوا بجماعتهم ، وخرّج بعضهم على زيادة الباء قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ) [البقرة / ٢٢٨] ، وفيه نظر ، وسيأتي بيانه.
__________________
(١) صدره «رأيت بني البكريّ في حومة الوغى» ، ولم يعين قائلة ، اللغة : الوغي : الحرب ، فاغري الأفوه : فاتحي الأفواه جمع الفم ، العرين : مأوى الاسد.
(٢) سقط جمع لقولك في «ح».