«ومن ثمّ» أي من أجل اشتراط الفائدة في توكيد النكرة «امتنع رأيت رجلا نفسه» لعدم الفائدة ، «وجاز اشتريت عبدا كلّه» ، وصمت حولا كلّه ، لحصول الفائدة ، فإنّ الشراء قد يتعلّق ببعض العبد ، والصوم قد يتعلّق ببعض الحول ، فالتوكيد يرفع احتمال ذلك ، قال الرضيّ : فعلى هذا لا يشترط تطابق التأكيد والمؤكّد تعريفا وتنكيرا عندهم خلافا للبصريّين ، انتهى.
والمنع مطلقا مذهب جمهور البصريّين ، قالوا : لأنّ ألفاظ التوكيد معارف ، فلا تجرى على النكرات ، واحتجّ المجيزون بالسماع كقول الراجز [من الرجز] :
٥٨٤ ـ يا ليتني كنت صبيّا مرضعا |
|
تحملني الذلفاء حولا أكتعا (١) |
وقول الآخر [من الرجز] :
٥٨٥ ـ ... |
|
قد صرّت البكرة يوما أجمعا (٢) |
وقول الآخر [من السريع] :
٥٨٦ ـ نلبث حولا كاملا كلّه |
|
... (٣) |
وقوله [من البسيط] :
٥٨٧ ـ لكنّه شاقه أن قيل ذا رجب |
|
يا ليت عدّة حول كلّه رجب (٤) |
قال ابن مالك : لو لم ينقل استعماله عن العرب لكان جديرا بأن يستعمل قياسا ، فكيف به واستعماله ثابت ، انتهى. قال [السيوطيّ] في الهمع : والمانعون مطلقا يجيبون عما ورد من ذلك بأنّه محمول على البدل أو النعت أو الضرورة ، انتهى. وينبغي أن يقال : أو الشذوذ ليشمل ما جاء في الاختيار كقول عايشة : ما رأيت رسول الله (ص) صام شهرا كلّه إلا رمضان.
تنبيهات : الأوّل : قال غير واحد : تحصل الفائدة في توكيد النكرة بأن يكون المنكّر المؤكّد محدود أو التوكيد من ألفاظ الإحاطة كالشواهد المذكورة ، وفسّر المحدود بما كان موضوعا لمدّة لها ابتداء وانتهاء كيوم وأسبوع وشهر وحول. وقيل : المراد به المعلوم المقدار كدينار ودرهم ويوم وليلة وشهر وسنة ، والحق أنّ الفائدة قد تحصل مع غير ذلك أيضا كمثال المصنّف (ره) ، فلا ينبغي الجمود على ما قالوه ، فتأمّل.
__________________
(١) تقدم برقم ٥٨٢.
(٢) هذا الشاهد مجهول النسبة إلى قائله ، ويروى بعض من يستشهد به قبله : «إنا إذا خطّافنا تقعقعا». اللغة : الخطّاف : الحديدة المعوجة تكون في جانب البكرة ، تقعقعا : تحرّك وسمع له صوت ، صرّت : صوّتت ، البكرة : هنا ما يستقي عليها الماء من البئر.
(٣) تمامه «لا نلتقي إلا على منهج» ، وهو للعرجي. اللغة : الحول : السنة.
(٤) قائله عبد الله بن مسلم بن جندب الهذلي. اللغة : شاقه : أعجبه ، أو أثار شوقه ويروى ساقه من السوق.